د. مهدي صالح دوّاي يندرج تحت مفهومي النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة العديد من المفاهيم والمؤشرات والنتائج المعبّرة عن مضامين النمو (كمتغير كمّي)، والتنمية (كمتغير نوعي) في إطار سعي الدول لتحقيق درجات عالية من الانسجام بين معدلات نموها الاقتصادي ، وأحوال التنمية فيها.
وغالبا" ما تقع الدول في إشكاليات التوظيف الأمثل للنمو الاقتصادي لصالح تنمية الإنسان باعتباره الوسيلة والهدف ، وقد قادت هذه الإشكالية إلى استفهامات عديدة في الأدب التنموي المعاصر ، مفادها ( من الذي يؤدي إلى الآخر النمو أم التنمية؟) ، فأنصار النمو الاقتصادي يراهنون على أهمية المداخل الاقتصادية المادية في تحقيق انطلاقات مأمونة لبرامج التنمية ، في حين يرى أنصار الفكر التنموي ، أن ويلات الدول المتخلفة وأزمات البيئة كانت نتائج لمسارات النمو المفرط وغير المتوازن ، والذي راعى تطلعات الدول المتقدمة و النخب الحاكمة على حساب الشعوب والأقليات التي تحيا أنماطا من المعيشة الهامشية .أما الرؤية التوافقية مابين النمو والتنمية ، فتركز على مداخل التكامل ما بينهما في تأكيد وتحقيق العديد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعرفية، وقد تبنى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة – بتقاريره السنوية منذ العام 1990- هذا الاتجاه في محاولة لإبراز الجوانب النوعية لحياة البشر . في حين تزايد الاهتمام الدولي مؤخرا بقضايا استدامة النمو بفعل الانحدارات غير المسبوقة لأنظمة البيئة .والاقتصاد العراقي بانطلاقته الحالية ، يعطي للمتتبع تصورا بان نموه الاقتصادي مازال غير تنمويا ، فإذا ما اعتمدنا مؤشر الناتج المحلي الإجمالي – وهو ابرز مؤشرات النمو الاقتصادي – سوف نجد ان قيمته قد ازدادت بشكل متسارع بعد الاعتماد المفرط على الصناعة الاستخراجية ، مما يعبر عن نمو مشوه للقطاعات الاقتصادية ، وهو بحد ذاته معوّق لفرص التنمية الشاملة في ظل غياب مزايا نمو القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية ، كما أن نموا" هائلا" في الموازنات السنوية لا يقابله تطور تنموي واضح بعد أن استحوذت النفقات التشغيلية على معظم موارد الموازنات ، في ظل غياب واضح لادوار القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية المباشرة .ويتأسس على مجمل هذه القضية أن هنالك نموا كبيرا في مؤشرات الاستهلاك ، لا يقابله نموا" مماثلا" في القطاع الإنتاجي المحلي ، مما يفضي إلى تزايد غير مسبوق بالطلب على السلع المستوردة من الخارج وفقدان مبدأ التحفيز المحلي لسد ذلك الطلب ، وبذلك يفقد عنصر الاستهلاك محتواه الاقتصادي الايجابي ليمارس سلبيات الانكشاف نحو الخارج .ينبغي إذا تصميم سياسة اقتصادية بأدواتها النقدية والمالية والتجارية ، قادرة على التعامل مع النمو الكمي بمضامين نوعية ، فالعديد من الدول تراهن على النظام الضريبي ، مثلا، في تحقيق المزيد من الأهداف الاجتماعية والبيئية والصحية ، في حين تمارس التعريفة الكمركية ادوارا توجيهية تخدم من خلالها الشرائح المنتجة والفقيرة، والأمثلة تطول أمام اجتهادات المخطط في هندسة بناء الاقتصاد الصديق للإنسان والبيئة والمستقبل.
فضاءات :نـمــو بــلا تـنـمـيــة
نشر في: 1 يناير, 2012: 10:28 م