علي النجارمالمولا يكتمل الإرث الثقافي الأثري لبلاد النهرين من دون معاينة كم الصخور النحتية التي لا تحصى منذ فجر السلالات الحاكمة وحتى نهاية العصور الحضارية الإسلامية التي تفوق العد. منحوتات فخارية ورخامية شكلت ركنا مهما من المعمار الرافديني،
مثلما شكلت ركنا طقسيا دينيا جوهريا لا يمكن إغفال تأثيراته المصيرية، والبصرية. وان كانت مادة النحت هي بعضا من مواد تشييد الصروح الدينية والمدنية. فان المنحوتات البرونزية الأثرية لتلك الحقب(على قلة مكتشفاتها) هي الأخرى كانت جزءاً من محيط ضرورات استعمال هذه المادة(الحلي. وبعض الشواخص الرمزية، ومتعلقات الآلة الحربية والنادر من المنحوتات التشخيصية). وان اكتسبت المنحوتات الصخرية حجومها الكبيرة ملاحم أحيانا من سعة حجم الصخر نفسه. فان للصياغات البرونزية(بمعنى المصاغ) وكمرموزات، إحجامها الخاصة أيضا. فمنها ما يوضع في أسس البناء. ومنها دبوس شعر للأميرة، أو قناع ملوكي.. منحوتات الفنان احمد الصافي إن كان لها من نسب أثري، فهي أيضا بعض من إيحاءات هذا الدبوس البرونزي الأميري أو راموز تلك الأسس المندرسة التي تتشبث بذاكرتنا بكل ثقلها الأثري الفريد. للبرونز سحنة الجسد الرافديني الذي يستنبت التربة قمحا. ويشتل غرزات سنابل الرز الغضة غرين مزارعه. جسده هو جزء من آلة الحصاد المعدنية ومذراته. ينحني كما انحناءاتها ويتلوى كما استداراتها. تغرز أصابعه بخفة وتنزلق أقدامه من على سطح الغرين الأملس بخفة أيضا هي شبه تحليق كوني. من هذه المجازات الموغلة في القدم، والمعمدة بالحاضر. أخذت أجساد منحوتات احمد الافتراضية هيئاتها الحركية وتحليقها الفضائي. هذا إذا بحثنا افتراضا عن مرجعية غير تقليدية(بالنسبة للفن الحديث) لأعمال هذا النحات المجتهد. مع ذلك فان بعضا من رسوماته او معالجاته التكنيكية القليلة(كما هي رسوم النحاتين بشكل عام) تقودني لما ذهبت إليه. مع ذلك فان هناك مرجعية كونية أخرى، لا تغفلها العين.ربما لهيئة التكوين البيولوجي الجسدي للفنان بعض من صلة وصل، ولو خفية، بهيئة أجساد منحوتاته. افتراض هامشي، كما اعتقده. لكنه ربما له علاقة ما بافتراضات حدسية هي من مخلفات حواديت الفراسة التي فطمنا عليها صغارا. ما أتذكره عن احمد الصافي( ذكريات ترجع لأيام دراسته في كلية الفنون الجميلة في بغداد أواسط التسعينات)، جسد نحيف ذو إيقاع سلوكي مرهف، هذا الجسد اعتقده مرادفا لاهتمامه بالولع الخطي الاحفوري النحتي المتأني، ومنذ تجاربه الواضحة في فترة تأسيس منجزه الفني الاولى تلك، لا تزال اجساده البرونزية(الخطية) تواصل مسيرة حياتها الخاصة بخفة ساحرة، هي بعض من خفة(دماثة) سلوكيات جسد الصافي نفسه. وكما أجساده النحتية وملحقاتها الحميمة التي تتعدانا بخفة، عابرة فضاءات اقترحتها هي قبل أن يقترحها الفنان نفسه.لقد خلف لنا ارث النحت الإفريقي(الافريقانية) كماً هائلا من تنويعاته النحتية ومنحوتاته المركبة. لكني اعتقد أن أجملها، او أكثرها حميمية(التصاقا بالذات الإفريقية) هي تلك الرسوم المحفورة على الصخور، التي تمثل طقوس الصيد، وطراد الحيوانات، أو الحيوانات نفسها فقط. هذه الرسوم التي كلها أجساد اكتسبت مرونتها الحركية من إيقاعات مرونة أجساد برونز الصيادين، بنحافتهم حد التحليق حركيا وتقوس أقواسهم لحظة انطلاق سهامها. إنهم يتحولون وعبر هذه المنحوتات السلبية إلى نوابض بشرية تمور حركتها الراقصة كما خفقة القلب. لقد حاول السويسري(جياكومتي) عبر كل نتاجه النحتي المعروف، اصطياد ظل الجسد، لا مادته البيولوجية المترهلة. وكان قاب قوسين من ذلك، إذ غالبا ما كان يلمس رعشة هذه الأجساد بعد أن يحولها إلى أطياف. احمد الصافي يحاول هو الآخر اصطياد هذه الأطياف، من منظور آخر. مع ذلك فثمة حدود تشابه بين كتل أجساد منحوتاته،وكلها أجساد، كما الاحفورات الافريقانية بأجسادها الصائدة. وبعيدا عن المرجعية الحداثية لجياكومتي .في كتابه(تأملات في الفن الإفريقي(1) يشخص مؤلفه(ليوفروبينيوس) ميزات وملامح الرسوم الافريقانية بما يأتي:( يتضح بسهولة وسرعة: انه أية مادة تقع بين طيات صلبة، وكل زخرفة غير قابلة للتقليد، وكل سلاح بسيط وعملي(وحتى الأشكال العديدة لخنجر الطعن، الذي يلهم بسهولة طريقة استخدامه)، وأي خط في الحفر بالغ الحدة والصرامة. لا يوجد شيء هنا يحاول أدنى محاولة للخداع وذلك بتعبيره عن نعومة مستسلمة، كل شيء ينضح بالنكهة ذاتها للدخان المنبعث عن نيران الأكواخ والعرق، والجلود المزيتة وغدد الحيوانات. كل شيء عملي، بسيط، وصارم.)في البساطة والصرامة يكمن عدم الخداع، والخداع في الفن اعتقده الحذلقة أو الاستعراض، كما هو استعراض. وهذا ما تتجنبه منحوتات الصافي، هي تقودنا مباشرة لفعل الجسد عبر خطوطه العانية البسيطة والواضحة، طارحة الزوائد والعوائد. عارية إلا من خفر عموميتها المستلة من عمق الجيولوجيا الإنسانية المتلاقحة الملامح. هي تسجل اختلافاتها مع الولع النحتي النصبي الذي نخر النحت العراقي الحديث، ما دامت تبحث عن عدم استقرارها. هي خنجر الحصاد متحولا أجسادا، ومعفرا بدخان الأكواخ الجنوبية، وبما تبقى من عرق الكدح الحقلي.في ا
استعادة إشارات الجسد الأولى في اعمال أحمد الـصافي
نشر في: 3 يناير, 2012: 06:26 م