حازم مبيضينيوماً بعد يوم ينزلق الملف السوري من بين يدي الجامعة العربية سواء برضاها أم برغم أنفها ليستقر في حضن مجلس الأمن الدولي تلبية لدعوة بعض المعارضة السورية بتدويل الملف, والدلائل شديدة الوضوح ابتداءً من تظاهرات أمس في المدن السورية التي انتظمت تحت شعار التدويل مطلبنا مروراً بتصريحات الرئيس أوباما حول ضرورة التدويل وما تبعها من إرسال جيفري فيلتمان،
مساعد الوزيرة كلينتون إلى القاهرة، لإجراء مشاورات مع مسؤولي الجامعة العربية بشأن الوضع في سوريا, وصولاً إلى تصريحات الشيخ القطري حمد بن جاسم بعد محادثاته مع الأمين العام للأمم المتحدة حول ارتكاب بعثة المراقبين العرب أخطاء والمطالبة بمساعدة "فنية" من المنظمة الدولية.المعارضة السورية المتنوعة المشارب, ليست متفقة حتى اليوم إلا على هدف تغيير النظام, وهي مختلفة في كافة التفاصيل للوصول إلى ذلك الهدف, وهذا في أحد جوانبه ممارسة ديمقراطية, برغم أن البعض يأخذ عليها ذلك, غير أن ذلك في جانب آخر يقود إلى تخبط مخل يدفع ثمنه السوريون من دمهم, وكان بارزاً في هذا الإطار تنصل المجلس الوطني السوري من اتفاق كان عقده مع هيئة التنسيق الوطنية وتحددت فيه فترة انتقالية، إذا تمت إطاحة النظام وعلى قاعدة أن الوثيقة الموقعة في القاهرة تتعارض مع البرنامج السياسي للمجلس ومع مطالب الثورة السورية, وكأن الوطني يعتبر أن على الآخرين الرضوخ لرؤيته فيما يتعلق بشأن نطاق التدخل الأجنبي المطلوب, وهو بذلك يدعي أنه الممثل الوحيد للشعب السوري ويرفض قبول قوى المعارضة الأخرى، ويعترض على تشكيل لجنة تعنى بقيادة العمل العام.الجامعة العربية وعلى لسان أمينها العام نبيل العربي, ومن خلال بعثة مراقبيها غير المحترفين اعترفت باستمرار وجود قناصة وإطلاق للنيران، لكنها دافعت عن البعثة، وقال فيها إنها أمَّنت إطلاق سراح سجناء سياسيين وانسحاب بعض المظاهر المسلحة من مراكز المدن, وفي المقابل فإن لجان التنسيق المحلية، التي تقوم بتنظيم التظاهرات، دانت إخفاقات بعثة المراقبين, واتهمتهم بعدم الالتزام بمواعيد وصولهم في أماكن بعينها ما تسبب بوقوع الكثير من القتلى, إضافة إلى الاعتراض على اختيار الجنرال السوداني، محمد الدابي، لترؤس البعثة رغم أنه مطلوب للجنائية الدولية بتهمة ارتكاب عمليات ضد الانسانية وضد حقوق الانسان.يؤشر انهيار محاولات تشكيل تحالف بين معارضي النظام, وتأثير ذلك سلباً على مواقف الحكومات الغربية الساعية إلى التعامل مع صوت موحد معارض للأسد, إلى صعوبة المرحلة المقبلة, وكيفية تطور حركة الاحتجاجات إلى حكومة، في حال تغيير بنية النظام وطبيعته, وفي ظل تراجع أولوية الدم السوري إلى ما وراء انشغال المعارضين بالمكاسب المنتظرة بعد رحيل النظام, وعدم جديتهم في وضع برامج حقيقية للدولة السورية الديمقراطية المدنية, والاكتفاء بمطلب إطاحة بشار والبعث ولو على يد قوىً أجنبية علينا الاعتراف مسبقاً أن مصلحة الشعب السوري ليست أولوية عندها.إيران وهي حليف أساسي لدمشق تتحرك عسكرياً في مياه الخليج, وتهدد بإغلاق مضيق هرمز, دون أن تشير إلى تعلق ذلك بتطورات الملف السوري, وتركيا التي خفت صوتها مؤخراً تتناقش في طهران حول الأزمة السورية, وحزب الله اللبناني يضع يده على زناد شن حرب ضد إسرائيل, والجيش السوري الحر يهدد بعمليات نوعية ضخمة ضد النظام الحائر من أين يصد الضربات المؤلمة, وهو يضع كل بيضه في سلة روسيا والصين, ويتقدم بمشاريع إصلاح يرفضها المعارضون, والمعارضة منقسمة على نفسها, والدول الغربية تتربص, والدم السوري يسيل في شوارع المدن والساحات, والتجربة الليبية تتصدر الواجهة وهي تطلب تكرارها, وعلى وقع ذلك كله, سينتقل الملف السوري سريعاً إلى التدويل ليثبت أن الأمة العربية لم تتعلم شيئاً من دروس ربيعها.
في الحدث: سوريا إلى التدويل
نشر في: 6 يناير, 2012: 07:49 م