TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلمات عارية :أرباح الإحتلال..وخسائره

كلمات عارية :أرباح الإحتلال..وخسائره

نشر في: 6 يناير, 2012: 09:29 م

 شاكر الانباري نتساءل لحد الآن ما معنى كل ذلك؟، ما معنى ما وصل اليه العقد الأخير الذي عشناه على وقع تغييرات جذرية في حياتنا؟ لو حسبنا خسائرنا وأرباحنا، مثل تاجر ذكي، لوجدنا ان الأرباح كانت يسيرة، إن لم نقل تافهة. لقد تم تحطيم الدولة بجدارة فائقة، بمعنى حل الجيش والأمن والمخابرات والمرور والشرطة، كما تمت ابادة جهاز الخدمات في المدن كلها. اذ ليس هناك جهاز خدمات وسط دولة منحلة، ودفعنا بعد كل هذا مئات آلاف البشر قتلى في العمليات العسكرية
 وما تلاها من تمردات، وإرهاب، ومقاومة، وعصابات، وميليشيات، وأحداث عرضية، وأحداث غير قتالية. لقد انهارت منظومة الكهرباء الوطنية، ومنظومة الاتصالات الوطنية، ومنظومة التوزيع التجاري، مثلما انهارت المنظومة الصناعية للبلد. لم يعد لدينا أي معمل يسد حاجتنا، وأغلقت مئات المعامل والمصانع أبوابها، بعد أن صارت سمسرة الاستيراد الخارجي تدر ارباحا مضاعفة. صرنا نستورد العدس والحليب والرز واللحم والسمك والطحين والفجل والبرتقال والرمان ومولدات الكهرباء والكهرباء والماء، برغم أننا نمتلك نهرين وأكثر، ونمتلك ملايين الأيدي العاملة التي تجلس في الشمس تحدق الى مصيرها المجهول. وبرغم أن ذلك الاحتلال اللطيف أسقط لنا أعتى ديكتاتورية عرفها التاريخ، دموية لا مثيل لتوحشها وبربريتها وأدلجتها الكاذبة، الا أننا اليوم نمتلك عشرات الصحف، ومئات الإذاعات والفضائيات والأحزاب، تتبارز في ما بينها على بث سموم طائفية مقيتة، أو تشويه خصم، أو خلط أوراق وتزوير حقائق أو حجبها أو التعتيم عليها، لكي يتم الضحك على الذقون بشكل قانوني. خلفت لنا الجيوش الغازية التي انسحبت طبقا للقانون، والدستور، والإتفاقيات المعلنة، جملا جميلة عن الديمقراطية، وحقوق الانسان، والتطور، والحداثة، فيما هي تنظر بعجب الى الغابة التي تتصارع فيها وحوش الجهل، والتطرف، والعنف، والنفاق. وكأنهم لصوص يتعجلون الفرار خوف انكشاف الجريمة. لم يفكروا حتى ببناء مركز ثقافي حقيقي لهم، ولم يتركوا شيئا من ارث ارنست هيمنغواي وجون شتاينبك وادغار الن بو وهنري ميلر وبول أوستر، او تأوهات بوب مارلو وألفيس بريسلي، ولا بنوا مختبرا يعلمنا اسرار مدام كوري ووكالة ناسا وكيف تقوم بغزو الفضاء واكتشاف حياة أخرى في المجرات البعيدة. كما لم يتركوا وراءهم موقعا الكترونيا بحجم أمازون للكتب، او مكتبة تضم تراث البشرية بحجم مكتبة الكونكرس، برغم انهم تصرفوا بأموالنا حوالي العقد من السنين، وكانت قد بلغت مليارات بعد مليارات، صرفت بشكل غامض على تأبيد الخراب، وتأجيج الصراعات المذهبية، وتعليمنا فن البراغماتية، واللعب على الحبال، وأدخلتنا في غرفة اشباح على انها غرفة فن ادارة الدولة. عقد من السنين نعود الى نقطة الصفر، الى مجتمع منقسم، وفوضى سياسية، وخوف على المستقبل، وهشاشة مجتمعية، ومؤسساتية، وأمنية، يمكنها أن تنفجر في وجهنا في أي وقت، ومكان. تلك أرباح أم خسائر؟ ومن هو المسؤول تاريخيا، وأخلاقيا، عن حصولها؟ وعن المآل الذي وصلنا اليه؟ هرب اللص وتركنا نضرب أخماسا بأسداس، هل نلقي اللوم عليه، أم على أنفسنا ومجتمعنا المتخلف المليء بالعقد والثارات والانقسامات، أم على تلك الحقبة الحزبية المقيتة التي حكمتنا ثلاثة عقود وأوصلتنا الى هذه النتيجة؟ كلها أسئلة نافلة، لم تعد لازمة، ولا تعني شيئا، اذ ان ما حدث قد حدث، وحجم خسائرنا التي نعيشها اليوم قد يصبح مضاعفا، غدا وبعد غد، حتى آخر الزمن المكتوب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram