 د.معتز محي عبد الحميدلغز كبير ... وعلامات استفهام حائرة تبحث عن إجابة للسؤال العريض ... لماذا انتحر المقاول الثري ؟ فالرجل ليست له عداوات مع احد ... حياته العائلية مستقرة ... علاقاته بأبنائه طيبة ... ناجح في عمله ... متدين بشهادة الجميع .. فهل يعقل أن ينهي إنسان بهذه المواصفات حياته بهذه السهولة ... والسرعة والبساطة ؟! حتى إذا طبقنا ما يقوله بعض علماء النفس من إن المنتحر يكون ميتا قبل حادثة انتحاره بيوم .. ويكون فيه قد اتخذ قراره ...
 لو طبقنا هذا الكلام على الساعات الأخيرة واليوم الأخير في حياة (ش) فلن نصل أيضا إلى شيء ... كانت الساعات الاخيرة في حياة المهندس (ش) مع زوجته وأسرته هادئة ... تناول العشاء مع أسرته وتكلم مع احد أصدقائه بالشرطة لحل مشكلة احد المواطنين ... وهكذا تزداد خيوط الحادث تعقيدا وغموضا ... فليس هناك أي مبرر للانتحار او حتى الشعور بالكآبة او الإحباط ؟ ورغم هذا لم ييأس ضباط التحقيق في مركز شرطة الديوانية للبحث عن الدافع المجهول وراء الحادث . اطلعنا على الأوراق التحقيقية التي أجرتها الشرطة وتقرير الطب العدلي وشهادات اقرب أصدقائه لسرد غموض هذه القضية ... كانت أول محاولة للشرطة لكشف غموض الحادث جمع المعلومات عن (ش) من أقربائه وأصدقائه ومحيط عمله لمعرفة سيرته وعلاقاته ، وإذا كان متورطا في قضية رشوة كبيرة او فساد او تحوم حوله شبهات او تلقى معلومات بذلك ... لكن جاءت المفاجأة لجميع المعلومات التي جمعتها الشرطة بان ملف (ش) المهندس والمقاول الثري ... كان ملفه نظيفا تماما وان جميع نشاطه التجاري كان فوق مستوى الشبهات ... يحظى بحب الجميع وخاصة الموظفين الذين يعملون معه ، والمواطنين الذين يتعاملون يوميا معه ايضا .. وكان مكتبه مفتوحا للجميع ... قال تقارير الأطباء بان المهندس (ش) تعرض لإرهاق شديد منذ ثلاثة أسابيع وهو داخل مكتبه فتم استدعاء احد الاطباء الذي فحصه وطلب منه الراحة وعدم مقابلة احد والتكلم مع الناس ... إلا أن (ش) رفض هذه النصيحة لأنها تخل بالعمل الذي يقوم به ... وتشعر الناس بأنه تكبر عليهم ... يقوم أيضا سكرتير مكتبه وحارسه الأمين ... كنا نعرف المهندس (ش) منذ زمن طويل فهو يحل مشاكل المواطنين شخصيا وكان يمنح المحتاجين آلاف الدنانير من جيبه الخاص .. وكان يكره المجاملات والواسطة ويرفض تمييز مواطن على آخر ... حتى لو كان يحمل توصية من مسؤول كبير في المحافظة او قريب له ، بل كان يوصي أهله وأقاربه بأنهم ليسوا مميزين عن غيرهم .أسرته  ماذا قالت في التحقيق ؟لقد دونت الشرطة إفادة زوجته التي كانت في حالة انهيار تام يحوطها إخوتها وأقاربها ... يحاولون التخفيف عنها ... وبصعوبة بالغة قالت لضابط التحقيق والدموع تملأ وجهها ... لقد جاء زوجي على الغذاء وتناولنا الغذاء معا وكعادته نام بعد ذلك ثم استيقظ في الساعة السادسة وذهب إلى مكتبه ... كل شيء كان يسير بشكل طبيعي ... وعاد في الساعة العاشرة مساء وجلس معي ومع أولاده حتى الساعة الثانية عشرة مساء نشاهد برامج التلفزيون ثم تناول عشاء خفيفا كعادته كل يوم ... لم أكن أتوقع أبدا انه الطعام الأخير لنا معه ... نام بعدها وفي الصباح ذهب الأولاد الى مدارسهم .. أما هو فقد كان نائما وحده في غرفة النوم . وفي الساعة العاشرة صباحا فوجئت بسماع دوي أطلاقة صادرة من غرفته ... فاتجهت الى الغرفة فعثرت على زوجي وهو راقد والمسدس بيده ... لكن حياته كانت قد انتهت ليترك لي الأحزان طول العمر ... ليتني كنت اعلم ما كان يضايقه او السبب الذي دفعه الى الانتحار ... فهو زوج مثالي ومتدين ومحب للحياة ولا يمكن ان يخطر ببال أي مخلوق انه قد ينتحر ! . شقيق المهندس أكد للشرطة في إفادته ... انه لا يصدق انتحاره أبدا ... من الممكن اخي قد اخرج مسدسه لتنظيفه فانطلقت منه رصاصة فقتلته ... أما أن ينتحر اخي (ش) فهذا شيء لا يصدق لأي إنسان يعرفه ، فهو انس مثالي ولا يعاني من أي مشاكل او أمراض ... صدقني أخي ابعد ما يكون عن الانتحار! ولكن رغم تأكيدات شقيق القتيل على ان الحادث ليس انتحارا فقد اتجهت الشرطة في تقريرها النهائي الذي أعدته بان الحادث بعيد عن أي شبه جنائية ، وان المهندس (ش) قتل نفسه بإطلاق رصاصة واحدة من مسدسه على رأسه اخترقت الجانب الأيمن وخرجت من الأيسر واصطدمت بالحائط . حادث الانتحار لا يزال لغزا محيرا لدى الجميع ... فهل يمكن أن تحمل الأيام القادمة مفاجأة لم تكن في حسبان احد ؟ الله وحده هو الذي يعلم .