أحمد عبد الحسينفي قصة قصيرة للكاتب الإيطاليّ الأشهر بوتزاتي يقف رجلٌ وحبيبته على شرفة مطلّة على حديقة، الليلة صيفية مقمرة والهدوء يعمّ المكان حيث لا يسمع صوت في الأرجاء كلها غير صوت الرجل يهمس في أذن حبيبته: يا للسلام، يا للهدوء، يا للسكينة.
لكنْ سرعان ما تهبط كاميرا "بوتزاتي" إلى الحديقة، لنرى ما يحدث على عشبها: قطة سوداء التهمتْ فأراً، صرصار أطبق بفكه على صرصار أصغر منه، بومة التقطتْ بمخالبها جرذاً، أفعى صغيرة لدغتْ سنجاباً، آلاف الزباني والأشداق والأسنان كانت تقيم حفلة دموية غير مرئية أو مسموعة، في صمتٍ رحمانيّ مطبق لا يُسمع فيه غير صوت الرجل وهو يعلن امتنانه للعالم: يا للسلام، يا للسكينة.قبل أيام صعد رئيس الوزراء نوري المالكي المنبر وأعلن إننا أكثر الدول استقراراً في محيطنا الإقليميّ، كان صوته ينساب من شاشة التلفزيون ملؤه امتنان للمقادير التي جعلتنا الدولة الأكثر أمناً وسلاماً من سوانا، مع قسمات وجهه المرفوعة كصلاة شكرٍ للربّ الذي منحنا هذا السلام، وتحت، في حديقة بوتزاتي، أعني في الشريط الإخباريّ كان يحدث ما يأتي: مخطط لتفجيرات في الحرية والشعلة، العثور على سيارة فيها أسلحة كاتمة، انفجار سيارة غربي بغداد وإصابة ستة مدنيين، نجاة عضو مجلس محافظة بغداد من محاولة اغتيال ومقتل حمايته، نجاة معاون مفتش الداخلية، استشهاد أربعة وإصابة تسعة في سوق بحيّ القاهرة، إصابة شرطيّ وثلاثة مدنيين في انفجار عبوة، تحرير طفلة "3 سنوات" من مختطفيها، مقتل شخص وجرح ثلاثة في الموصل، نجاة عضو مجلس محافظة ميسان من محاولة اغتيال، إصابة شرطيّ في نينوى، إصابة خمسة مدنيين بينهم امرأة في ديالى، انفجار عبوة على سيارة شرطة في الفلوجة، إبطال عبوة في الشرقاط، اشتباكات بالحجارة بين طلبة تركمان وكرد في كركوك.كان الشريط مأدبة دموية لاشيء فيها يذكّر ولو من بعيد بالسلام والاطمئنان وراحة البال، حرب مستعرة في شريط إخباريّ لا صوت له، هدوء لا يقطعه سوى صوت دولة رئيس الوزراء هادئاً يعلن الأمن والاستقرار.الرجل على شرفته في قصة بوتزاتي، كما الرجل على منصته في قصتنا العراقية، كلاهما ليست لهما عيون تلتقط ما يحدث في الأسفل، سلامهما الشخصيّ ألا يسمعا أو يريا هذه المذبحة التي تقام قريباً منهما.تحت المنصة أو تحت الشرفة يموت خلق كثير في ليلة مقمرة هادئة.يا للسلام، يا للسكينة!
قرطاس: شرفة بوتزاتي
نشر في: 8 يناير, 2012: 07:52 م