ســـلام خـــياط بين ممارسة اللعبة السياسية (نظريا) وأنت في صفوف المعارضة، وممارستها عمليا وأنت على دست الحكم، مسافة أميال وفراسخ لا يمكن اختزالها بأمتار معدودات ولا إنجازها بين ليلة وضحاها، إنها الجدلية المحتدمة دائما بين النظرية والتطبيق، فكم من النظريات البراقة شحبت ورثت حالما أنزلت من برجها العاجي ووضعت موضع التطبيق. النظرية، ملساء لماعة، ناعمة الملمس، والتطبيق خشن وعكر، كثير الحفر والأخاديد.
يحكي مريدو أستاذنا الدكتور صلاح الدين الناهي -عليه شآبيب الرحمة حيا أو ميتا- فصلا من فصول مسيرته التدريسية والقانونية، الطافحة بالعبر والجديرة بالدراسة. الدكتور الناهي من فطاحل أساتذة القانون التجاري في كلية الحقوق في سنوات الستينات. أسلوبه سلس، ومحاضراته شيقة قلما تخلف عن حضورها الطلبة، لما يتمتع به أستاذهم من طلاوة في الحديث تيسر عليهم فهم مواد (التجاري العسير الهضم).الألمعي الناهي، حين أحيل على التقاعد -أو أحال نفسه على التقاعد، انتسب على التو لنقابة المحامين وتهيأ لممارسة المهنة الجليلة –المحاماة– متخصصا في الدعاوى ذات النهج الاقتصادي التجاري، ومن يضاهيه علما ومعرفة؟؟تقاطر على مكتبه الزبائن، مدعين ومدعى عليهم، تسوقهم سمعته وتمرسه في معرفة دهاليز القانون..الناهي -التدريسي الشفهي- وليس انتقاصا من قدرته القانونية-، حين ترافع في أول قضية كمحام، ردها الحاكم في أول جلسة، مستجيبا لطلب محامي الخصم (المتمرس التحريري) لعدم توفر شروط إقامة الدعوى!! كانت صدمة كبيرة لأستاذ القانون التجاري الضليع بدقائق القانون، وكانت صدمته مضاعفة حين خسر دعواه الثانية بعد عدة جلسات مرافعة، لنباهة محامي الخصم للثغرات المبثوثة في أسانيد الدعوى.. ولا علم لي بما آل إليه الحال بعدما شحبت الأواصر بيني وبين زملاء المهنة نتيجة هجرتي المبكرة. أسوق هذي السانحة وأقدمها هدية منزهة من كل غرض، لمن مارس المعارضة شفهيا –كسباحة على اليابسة- وجاء لممارسة الحكم تحريريا: عوما وغوصا وصبرا ومكابدة ولياقة وحبس نفس، تتقاذفه سوارات البحر وهو في خضم اليم.
السطور الأخيرة :شفهـــي.. تحريري
نشر في: 8 يناير, 2012: 09:55 م