محمد واني* لو ظل المالكي و التحالف الوطني الحاكم على سياستهما الحالية من تجاهل وتهميش للقوى السياسية الفاعلة في العراق وافتعال الأزمات وإغراق البلد بالمشاكل للوصول إلى أهدافهم الطائفية ، فلا نستبعد أن يدخل البلد في حرب أهلية"طائفية" طاحنة أخرى أكثر دموية وشراسة من تلك التي حدثت في أعوام 2005 ــ 2006 ــ 2007 والتي تركت شرخا نفسيا واجتماعيا كبيرا بين العراقيين ، جعلهم ينقسمون إلى مجتمعات متنافرة ومتصارعة داخل مجتمع واحد .
وفي حال حدوث صراع دموي جديد ، وهذا محتمل جدا في ظل السياسة القائمة على الصراع المذهبي ، فإنه سوف ينهي البقية الباقية من العلاقة التي ما زالت تربط المجتمعات العراقية"غير المتجانسة" بعضها ببعض ، ويدفعها إلى أن تأخذ مسارها الطبيعي في الانفصال والتقسيم على أساس طائفي وعرقي ، وما إعلان المحافظات المحسوبة على المكون السني عن أقاليم منفصلة إداريا واقتصاديا عن الحكومة المركزية إلا تمهيد للانفصال السياسي وإنهاء للعلاقات بين المكونين العربيين الرئيسين في البلاد . إن هذا التغيير السياسي للأحزاب والقوى السنية جدير بالملاحظة والاعتبار، ولا يمكن أن يمر مرور الكرام على أي مراقب أو باحث سياسي جاد، لأن من يدعو إلى الفيدرالية الآن ليس هم الكرد أو عبد العزيز الحكيم زعيم مجلس الإسلامي الأعلى الشيعي الراحل الذي دعا إلى تأسيس أقاليم في الوسط والجنوب من العراق عام 2005 بل هم سياسيون من العرب السنة الذين كان الكلام عن الفيدراليات وإنشاء الأقاليم يعدّ في عرفهم من الهرطقات التي تُخرج صاحبها من "ملة الإسلام والعروبة" في أدبياتهم، ففي سنوات مضتْ كانوا كثيراً ما يصمون الداعين إلى الفيدرالية بالخونة والعملاء للصهيونية العالمية والأميركان، وكان بعضهم يناصب العداء لزعماء الكرد ويعتبرهم "منفذين" لمشروع "بايدن" نائب الرئيس الأمريكي الذي دعا إلى تقسيم العراق إلى مكوناته الرئيسة" السنة والشيعة والكرد، لحل الصراع المرير بينهم . إذن ما الذي دعا (السنة) إلى هذا الانقلاب الجذري المفاجئ على برنامجهم السياسي في هذا الوقت بالذات ومع بداية خروج القوات الأمريكية من العراق؟ هل يعتبر هذا التغيير رد فعل طبيعياً لما قام به التحالف الوطني الحاكم من اعتقالات بحق عناصرهم في الآونة الأخيرة، خاصة إن الدعوات جاءت بعدها مباشرة أم أنهم لجأوا إلى هذا الخيار"التكتيكي" لإجبار السلطات على تنفيذ مطالبهم السياسية التي تجاهلتها كثيراً وبعد أن وصلوا معها إلى طريق مسدود أم أنهم اقتنعوا فجأة بأن مشروع الفدرالية وإقامة الأقاليم يناسب المجتمع العراقي ذي الطبيعة المتنوعة والمتنافرة؟في هذا المجتمع الفسيفسائي المتنوع، لايمكن لمكوّن واحد أن يبسط سلطانه على باقي المكونات الأخرى بحجة الأكثرية السكانية كما يروم بعض أقطاب التحالف الوطني، ولا أن ينصّب نفسه ولياً مطلقاً لأمر الآخرين ويمنعهم من ممارسة حقهم الدستوري في إقامة الأقاليم، كما تفعل الأنظمة الشمولية، فالعراق الجديد بحاجة إلى نظام سياسي تعددي حقيقي، تشارك فيه كل المكونات الموجودة بشكل عادل ومتساوٍ، أكثر من احتياجها إلى شعارات وعبارات مهلهلة ظلت أعناق العراقيين لها خاضعة لسنوات طويلة ودفعوا من أجلها ثمناً باهظاً من دمائهم واستقرارهم .. وإذا ما وصل "أهل السنة" إلى هذا النوع من التفكير السياسي المتوازن، وتخلصوا من قيود الشعارات المضللة التي تتغنى بنسخة من الوطنية هي محض شعار واقتنعوا أن لا ثوابت في السياسة وأنها تتغير بحسب المصالح والمنافع، والمصالح وحدها هي التي تحدد نوع السياسة وتحركها لا العكس، وان زمن الأيدلوجيات والأفكار المثالية التي كانت سائدة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي قد ولى إلى الأبد ولم يعد له وجود في العلاقات السياسية المعاصرة ، فإنهم بذلك يكونون قد وضعوا أولى خطواتهم على الطريق الصحيح، وواكبوا المتغيرات السياسية المتلاحقة التي تحدث في المنطقة بصورة خاصة . يستطيع المكون السني العربي العراقي أن يخطو خطوة أخرى باتجاه التجديد والتغيير في نهجه السياسي الإصلاحي، ويسجل هدفاً آخر في مرمى التحالف الوطني الحاكم ويمارس عليه ضغطاً سياسياً قوياً لإجباره على العودة إلى جادة التعهدات والاتفاقات التي أبرمها في "أربيل" بشأن تشكيل حكومة الشراكة الوطنية خاصة إن الاتفاق وصل إلى طريق مسدودة بعد تفاعل قضية السيّد طارق الهاشمي ولجوئه إلى كردستان، يستطيع "المكوّن السنيّ" أن يفعل ذلك من خلال عقده اتفاقية إستراتيجية مع الكرد، على غرار الاتفاقية الإستراتيجية التي عقدت بين الأحزاب الشيعية والكرد في بداية التشكيلة الحكومية للعهد الجديد، وخصوصا إن ثمة روابط كثيرة مشتركة تربط بين الطرفين "الكرد والسنة"يمكن أن تساعد على إقامة أفضل العلاقات بينهما، فبالإضافة إلى انتمائهما المذهبي الواحد "لا بد وأنت تتحدث عن العراق أن تتطرق إلى الطبيعة العرقية والمذهبية فيه" فإنهما يشتركان في منطقة جغرافية واحدة "المنطقة المتنازع عليها"، ويتقاسمان العيش في مدن كثيرة مثل "الموصل وكركوك وديالى وصلاح الدين" منذ مئات السنين فضلا عن التد
خريطة لتحالفات جديدة
نشر في: 9 يناير, 2012: 07:55 م