كاظم حبيبإن المتابعة الدقيقة والمستمرة لما يجري على الساحة السياسية العراقية خلال الفترة التي أعقبت إسقاط النظام الدكتاتوري الفاشي حتى الآن تؤكد بما لا يقبل الشك في أن العراق بحاجة إلى ضمان مسألتين مهمتين، وهما:
1- إنه بحاجة إلى قوى سياسية يسارية ذات نهج ديمقراطي تناضل من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة في المواطنة ورفض التمييز بمختلف أشكاله وصور ظهوره ومكافحة البطالة وتحسين ظروف العمل وحل المسألة الزراعية وتعجيل التوجه صوب التصنيع وبناء قاعدة اقتصادية متينة تستند إلى الموارد الأولية المتوفرة في البلاد، ومنها بشكل خاص النفط الخام والغاز الطبيعي، ومن أجل بناء المجتمع المدني الديمقراطي والدولة المدنية الديمقراطية التي تستند إلى الحياة والمؤسسات الدستورية والبرلمانية والفصل بين السلطات والتداول السلمي الديمقراطي البرلماني للسلطة، وهو بحاجة إلى قوى يسارية متآلفة ومتحالفة وقادرة على تشكيل رقم مهم مؤثر في الحياة السياسية العراقية لا تبقى تتحرك على هامش الحياة السياسية وتكتفي بالتثقيف العام للمجتمع أو تتحرك في مكانها، كما أن من المفروض أن تدرك جميع قوى اليسار في العراق بأن كل قوة منها على انفراد غير قادرة على تحقيق نتائج إيجابية كبيرة، سواء أكان على صعيد الانتخابات العامة، أم على مستوى مجالس المحافظات، أم على صعيد تحقيق أهداف الفئات الاجتماعية الكادحة المنتجة للخيرات المادية والفقيرة والمعوزة لتقديم الدعم والمساعدة لها للخروج من حالة الكفاف أو العيش تحت خطر الفقر الدولي المحدد للدول النامية أو البطالة الهادرة للكرامة.2- ولكن الساحة السياسية العراقية بحاجة ماسة حقاً إلى أكثر من ذلك، إنها بحاجة إلى قوى ديمقراطية أخرى أيضاً، إلى أحزاب سياسية وطنية ديمقراطية قادرة على تعبئة قوى الوسط ويسار ويمين الوسط في إطار الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة وغيرها من الفئات الاجتماعية، وبمعنى آخر، فالعراق بحاجة إلى أحزاب وطنية ديمقراطية يمكن أن تلتقي في جبهة عريضة مع أحزاب اليسار الوطنية بسبب أهدافهما الوطنية العامة المشتركة وبسبب سعيهما المشترك لصالح إقامة الدولة الديمقراطية البرلمانية والمجتمع المدني الديمقراطي القائم على أساس الحياة الدستورية والدولة المؤسسية والتداول السلمي الديمقراطي للسلطة.إن الطبقة الوسطى في العراق تتكون لتوها مجدداً بعد أن غيبت عملياً ما يقرب من أربعة عقود وفي الكثير من المجالات الاقتصادية والحياة السياسية، رغم أنها لا تزال ضعيفة وبعيدة عن المجال الصناعي الحديث والذي كما يبدو أنها سياسة مقصودة يراد بها إضعاف الطبقة الوسطى الصناعية وإبقاء البلد خاضعاً لموارد النفط المالية والاستيراد من الخارج وأن يبقى مكشوفاً لها، إضافة إلى إبقاء المجتمع العراقي مجتمعاً عشائرياً استخراجا واستهلاكياً غير منتج للسلع الزراعية والصناعية يستهلك دخله القومي دون أن يعظّم الثروة الوطنية ويحقق التراكم المنشود وبما يسهم في تغيير بنية الاقتصاد الوطني وبنية الدخل القومي والبنية الاجتماعية وكذلك الوعي الاجتماعي والديني في البلاد، إنها سياسة خطرة لا يمكن مواجهتها إلا بتحالف القوى الديمقراطية من مختلف الفئات الاجتماعية وعلى مستوى العراق كله.إلا أن هذا التوجه نحو قوى اليسار والقوى الديمقراطية الأخرى باعتبارها قوى سياسية وأحزاب وطنية غير كاف لمواجهة تحالفات سياسية يمينية، سواء أكانت إسلامية سياسية طائفية أم قومية، ما لم يجر التحرك على عدة اتجاهات أساسية في المجتمع العراقي، وهي:أ- نحو منظمات المجتمع المدني الديمقراطية مثل النقابات العمالية والمهنية الكثيرة في العراق والجمعيات العاملة في مجالات الفنون والآداب والموسيقى والغناء والثقافة بشكل عام للتأثير الإيجابي عليها للمشاركة في الحياة العامة والانتخابات مع بقائها مستقلة من حيث المبدأ سياسياً.ب- التوجه صوب الشبيبة العراقية، من النساء والرجال، التي تشكل نسبة عالية من سكان العراق والتي يهمها أن تعيش في أجواء الحرية والديمقراطية ورفع القيود المحددة لحركتها ونشاطاتها المتنوعة وضمان توفير كل مستلزمات تطورها الفكري والاجتماعي والفني والرياضي...الخ. ج- التوجه صوب النساء العراقيات اللواتي حُرمن من الكثير من حقوقهن المشروعة والعادلة في الدستور أولاً، وفي الحياة العملية والممارسة اليومية ثانياً، وخضوعهن لإجراءات وعادات وتقاليد بالية تحط من مكانة ودور واستقلالية شخصية المرأة وكأنها إنسان من الدرجة الثانية.إن النساء في العراق يشكلن قوة كبيرة فهن أكثر من نصف المجتمع ويهيمن على نسبة كبيرة منهن الجهل والأمية والخشية من التقاليد والعادات ومن الرجل، إضافة إلى دور المؤسسات الدينية والكثير من شيوخ الدين في تعميق هذه الوجهة السلبية في حياة المرأة. نحن بحاجة إلى توعية تنويرية في المجتمع النسوي العراقي، بحاجة إلى رفع الغشاوة عن عيون وعقول الغالبية العظمى منهن، علينا أن نبدأ مجدداً في العمل الدؤوب لتغيير واقع المرأة ووعيها ودورها في المجتمع وفي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية، إنها المهمة الكبيرة التي يفترض أن تنهض بها
هل العراق بحاجة ماسّة إلى جبهة ديمقراطية واسعة؟
نشر في: 4 أكتوبر, 2009: 05:25 م