حازم مبيضينجاء التزامن بين الهجوم الخطابي للرئيس السوري بشار الأسد ضد الجامعة العربية, وموقفها من الأزمة الحالية في بلاده، والهجوم العملي ضد بعثة المراقبين العرب في اللاذقية, ليؤشر إلى طبيعة وجهة نظر السلطات السورية تجاه الأزمة المستفحلة منذ عشرة شهور, والتي تحصد يومياً أرواحاً بريئة, وتكاد تجر البلاد إلى حرب أهلية ذات طابع طائفي, رغم إنكار الحكومة والمعارضة لهذه الإمكانية,
وجاء إنكار الاسد لأي معنى للحراك الجماهيري المتصاعد وقصره ذلك على أطراف خارجية اتهمها بتسعير الأزمة، ومحاولة نقل أعمال التخريب والإرهاب إلى مستوى آخر من الإجرام استهدف العقول والكفاءات والمؤسسات، لفتح الطريق أمام ما خطط له خارجيا ليصبح واقعاً، لكن هذه المرة بأياد محلية, ليبين شكل الحلول التي يقترحها النظام للخروج من الأزمة.تتمثل تلك الحلول كما أوضح الأسد, في إدارة الظهر للجامعة العربية ومن فيها من المستعربين, وهي التي فشلت طيلة 60 عامًا في اتخاذ موقف حقيقي لصالح الحقوق العربية, ولم يتوقف عند مؤسسة الجامعة لكنه اتهم العرب جميعاً بعدم الوقوف يوماً مع سوريا، ومن الناحية الثانية الاستمرار بقوة في منح الحلول الأمنية الأولوية في التعاطي مع الأحداث, ولكن مع تصعيد يتنامى إلى حد الضرب بيد من حديد, لمواجهة ما اعترف بأنه مخاطر كبيرة وتحديات مصيرية, يرى أن الانتصار عليها قريب جداً, ويترافق ذلك كله مع الاستمرار في منع وسائل الإعلام من تغطية ما يجري، لان بعض تلك الوسائل حاولت تزييف الحقائق، ما دفع سلطات دمشق لوضع ضوابط لانتقاء وسائل الإعلام التي تعمل داخل سوريا، وهي هنا بالتأكيد أجهزة تتبنى سلفاً رواية النظام وتحمل أجنداته.المعارضة السورية ليست راضية بالتأكيد على خطاب الأسد الرابع, بالنظر إلى رفضه لأي حل تفرضه طبيعة الظروف والأحداث، وبمعنى أنه لا إصلاح في المدى المنظور , رغم أنه كشف أن هناك اتجاها لضم قوى سياسية جديدة إلى الحكومة المقبلة، دون تحديد تلك القوى, ورغم أنه أشار إلى عدم إمكانية الشعور بنتائج حقيقية لرفع حالة الطوارئ في ظل الفوضى التي تمر بها البلاد، واعترافه بعدم قدرة المؤسسات الأمنية على أداء عملها في ظل الوضع الراهن في البلاد, ونفيه وجود أي أمر بإطلاق الرصاص في أي مستوى من مستويات الدولة، إلا في حالات يوضحها القانون, وإشارته إلى صدور قانون الأحزاب وحصول بعض الأحزاب على تراخيص، وتأكيده على أن الدستور الجديد سيركز على الحريات العامة والتعددية الحزبية وكون الشعب مصدر السلطات، وسيكرس دور المؤسسات وغيرها من المبادئ الأساسية. النقطة الأساس المرفوضة عند المعارضين هي إعلان الأسد أن الأولوية الآن هي لتحقيق الأمن, وضرب الإرهابيين والقتلة بيد من حديد، وتشديده على أنه لا مهادنة مع الإرهاب ولا تهاون مع من يستخدم السلاح الآثم لإثارة البلبلة والانقسام، ولا تساهل مع من يروع الآمنين، ولا تسوية مع من يتواطأ مع الأجنبي ضد وطنه وشعبه, وسبب الرفض يكمن في من يحدد هؤلاء ومن يصنفهم, وكيفية ضمان أن لا يدرج اسم أي معارض لنظام الحكم ضمن واحدة من هذه الفئات, وما هي الضمانات التي يمكن للمعارضين الاحتماء بها إن لم تكن قوانين نافذة المفعول, وهم لذلك رأوا في الخطاب تكراراً لمواقف سابقة, تحاول التأكيد أن الاسد ما يزال يحتفظ بالقوة والقدرة على مواجهة العنف بالعنف, وبأنه صامد في وجه الإرهاب وأنه تحدث بلغة عفا عليها الزمن، وهي لغة استعلاء على الشعب أراد بها بث الثقة في نفوس ضباط الجيش الذين فقدوا الثقة فيه . وبعد, خطاب الأسد الرابع والأطول, ليس أكثر من إعادة إنتاج لخطابه الأول, ولكن بلغة أشد قسوةً, فهل يكون مجدياً؟ الشكوك كثيرة حول ذلك.
في الحدث: ما جدوى خطاب الأسد
نشر في: 11 يناير, 2012: 08:27 م