سرمد الطائيهل هناك من يخشى توجيه ضربة إلى التيار الصدري خلال العام الحالي؟ وهل التسريبات بشأن احتكاك مع عصائب الحق، تحمل طابعا جديا؟لازلت أتمسك بفرضية "سيناريو النسيان" التي تحدثت عنها في مقالي السابق. فالاستعجال في طرح ملف طارق الهاشمي وهو استعجال ربما أضاع علينا تفاصيل مهمة، سببه أن رئيس الحكومة نوري المالكي أراد أن يسارع إلى الهجوم على خصومه قبل ان يهجموا هم عليه.
كان البرلمان يستعد لفتح ملفات عديدة في إطار الرقابة على الحكومة، وكنا ننتظر مناقشات لطريقة إنفاق الميزانية المالية للعام الماضي، ومناقشات لإنفاق الموازنة الضخمة للعام الجديد، إضافة الى قضايا تتعلق بتضخم نفوذ "الأولاد والأصهار" في مكتب رئيس الحكومة..الخ. وكان في وسع خصوم المالكي ان يفتحوا ما شاؤوا من ملفات لإظهاره بمظهر رئيس جربناه طويلا ولم ينجز شيئا، وهو امر كان يمكن ان يستخدم للتحضير لانتخابات مجالس المحافظات التي سيبدأ الاستعداد لها قريبا. الا ان المالكي قرر ان يستعجل ويجعل خصومهم في قفص الاتهام قبل ان يضعوه على مذبح الفشل والتلكؤ الرهيب في ادارة الدولة.وهكذا نسينا أجواء الاحتجاج التي حفل بها العام الماضي، وبدل ان يبدأ 2012 بمواصلة "ربيع عراقي" هدفه اصلاح سياسي واداري عميق، فإن ملف الهاشمي ساهم في إخراجنا من خارطة الربيع العربي الى حد كبير.ملف الهاشمي قد يكون قضية مشروعة أديرت بطريقة سيئة لم تراع قواعد التهدئة في لحظة الانسحاب الأميركي، ولم ولم. لكنها أيضا قضية استخدمت لمحاولة سحب البساط من تحت أرجل خصوم متربصين يطمحون لمحاسبة المالكي على أبواب انتخابات المحافظات وفي سنة صعبة. ولذلك فإن القضية قد تتطلب رؤوسا أخرى غير الهاشمي والمطلك، وربما كان ملفهما مجرد بداية لتحركات تشمل مقتدى الصدر وعمار الحكيم.يمكن أن نقول ان المالكي يستغل اليوم قضية تتعلق بالإرهاب، لكي يضرب الجمهور الشيعي بالجمهور السني كي يتخندق وراءه كل الشيعة إزاء كل السنة، وتكون نتيجة الأمر الاعتراف به زعيما أوحد للطائفة. ولذلك يتسرع ويتعجل ويرتبك غير عابئ بأي نتيجة سوداء قد تأتي بها تحركاته.ولأنه لا يعبأ فإنه قد يتورط في ملفات أخرى لتحييد منافسيه. ولعل تقريب عصائب الحق وسط تسريبات بإمكانية احتكاك بينهم وبين الصدريين، هو المرحلة الثانية من عملية التحييد التي سيظل يديرها حتى الانتخابات (لأنه لا يمتلك منجزا سواها).حقق الصدر منجزا واضحا وقام من نكسة "صولة الفرسان" بأربعين نائب ووزارات مهمة، وعلاقات طيبة مع المكونات الأخرى. وبدا انه مع المجلس الأعلى يشكل عنصر توازن يكبح جماح المالكي حتى في الخلافات مع الكرد والسنة والعلمانيين. لكن المالكي لا يرتضي للصدر ولا للحكيم ان يحتفظا بهذا الموقع، ولن يقبل بأقل من ان يقوم التيار الصدري والمجلس بأداء فروض كاملة للطاعة كما صنع هادي العامري زعيم منظمة بدر.اختيار توقيت مطلع السنة ورحيل آخر جندي أمريكي، لضرب الهاشمي والتصالح في اللحظة ذاتها مع واحدة من اخطر المجموعات الشيعية المسلحة، يبدو حاملا هذا الهدف بالتحديد. فالهاشمي سيناريو تصفية للمعارضين على الجبهة السنية، اما تقريب العصائب فهو بداية لسيناريو تحجيم ينفذه المالكي مع منافسيه الشيعة، اذا اخذنا بعين الاعتبار تقريبه في وقت سابق لمنظمة بدر كضد نوعي للمجلس الأعلى.هل في وسع صوت العقلاء ان يجد صيغة تنافس بديلة تجنب البلاد استنشاق رائحة المعارك والصراعات الدامية ثانية؟ ام ان المالكي "ما ينطيها" مهما كان الثمن؟ وان السنة الجديدة ستجعل الوطن ساحة لتصفية مريرة للحسابات بين الخصوم تسحقنا تحت سنابك خيولهم الغريبة والعجيبة؟ وهل يعني هذا ان المالكي سينجح في التحكم بحواس الجمهور وذاكرته، واقحام الجميع في معارك جانبية، كي ننسى ولكي يبقى عرشه بمنأى عن الحساب والرقابة؟ ولكي يبدو وكأن الجميع محتاج للمالكي "ولقوته وحزمه"؟ هل سيبتلع المالكي خصومه على حسابنا، ام ان لديهم اوراقا وممكنات سياسية قد تخفف وطأة كل الإرباك والارتجال التي تهدد مستقبل طائفة بحجم الشيعة، ومصير بلد بتعقيد العراق؟
عـالَـم آخــر: الصدريون والمجلس بعد الهاشمي؟
نشر في: 11 يناير, 2012: 09:53 م