TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > من دفاتر شيخ المؤرخين العراقيين

من دفاتر شيخ المؤرخين العراقيين

نشر في: 4 أكتوبر, 2009: 05:44 م

عبدالرزاق الحسنيلما انتهت الحرب العالمية الاولى حرب (1914- 1918) بانتصار الحلفاء وجاء وقت تقسيم غنائمها وتوزيع اسلابها بين المنتصرين اجتمع مجلس الحلفاء المنعقد في سان ريمو بايطالية في الخامس والعشرين من شهر نيسان سنة 1920 وقرر فرض الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، وكانت هذه الامصار العربية في جملة الاقطار التي سلخت من الامبراطورية العثمانية نتيجة للحرب المذكورة، وكان العراق يموج بثورة مسلحة ضد الوجود العسكري البريطاني،
وينشد الحرية والاستقلال من دون حماية او وصاية فرأت بريطانية صاحبة الانتداب على العراق ان تستبدل انتدابها البغيض بمعاهدة تعقد بين بريطانيا والعراق فتحقق المطامح العراقية في الحرية والاستقلال من جهة وتجعل عصبة الامم تعتقد ان بريطانية ماتزال عند مسؤولياتها الانتدابية تجاه العصبة المذكورة من جهة اخرى.*وفي 15 تشرين الاول 1921 وصل الى بغداد الميجر يونغ والخبير المالي فرتن من موظفي وزارة المستعمرات في لندن يحملان اسس المعاهدة المقرر احلالها محل الانتداب وكانت نيران الثورة العراقية التي اندلعت ضد الانتداب في 30 حزيران 1920 قد خمدت ونودي بالامير فيصل بن الملك حسين شريف مكة المكرمة ملكا على العراق في 23 آب 1921 فدخلت الحكومة البريطانية في مفاوضات مع الحكومة العراقية طال الاخذ والعطاء بين الطرفين بشأنها.*كان بين وجهة النظر الانكليزية ووجهة النظر العراقية واد سحيق يصعب اجتيازه بيسر اذا لم يبد الطرفان تساهلا ملموسا ورغبة صادقة في الوئام فالعراقيون ضحوا بعشرة الاف من خيرة رجالهم للظفر بالحرية والاستقلال لبلادهم والانكليز يريدون ان يحكموا البلاد على عادتهم (علم ودستور ومجلس امة كل عن المعنى الصحيح محرف) فكيف يمكن التوفيق بين اهداف الطرفين المتفاوضين؟ وقد كان لكل منهما وجهة نظره؟ كانت المفاوضات تتعثر حينا وتنقطع حينا آخر على الرغم من ان الطرفين كانا يرغبان رغبة صادقة في ان يسيرا بها حتى النهاية، ولما ادرك العراقيون بأن الانكليز مصممون على ان تتضمن هذه المعاهدة كل مصالحهم الاستعمارية اخذوا يضعون العقبات امام المتفاوضين حتى لايهضم لهم حق ولايطوح بطموحاتهم وكانت التظاهرات والاحتجاجات غير منقطعة وحبل الامن مضطربا ولاسيما في منطقة الفرات الاوسط حتى اذا ادرك السر برسي كوكس المندوب السامي البريطاني في العراق خطورة الوضع قرر ان ينتهز ذكرى مرور السنة الاولى على تتويج الملك فيصل للوصول الى مايريد، وكان الوطنيون وعلى رأسهم زعماء الحزبين السياسيين المجازين، وهما الحزب الوطني العراقي وجمعية النهضة العراقية قرروا انتهاز حلول هذه المناسبة التاريخية لاظهار شعورهم الوطني والقيام بتظاهرة سلمية لتأييد مطالبهم، وبينما كان المندوب السامي يصعد السلم المؤدي الى صالة الاستقبال في القصر الملكي سمع وهو على الدرج اصواتا تنادي بسقوط الانتداب وسقوط الانكليز وساحة القصر مكتظة بالناس ومع ان التظاهرات لم تكن الا شيئا مألوفا في هاتيك الظروف، وكانت الهتافات التي ازعجدت المندوب مبيتة ومدبرة بلا شك فانه ابى الا ان يتخذ من هذا الحادث البسيط سببا شحذ فيه عزما كان موضوع ريب الناس فما كاد يرجع الى ديوانه حتى بعث برسالة زعم فيها ان مالقيه من الاهانة في وقت كان يقدم المراسيم باسم صاحب الجلالة البريطانية الى صاحب الجلالة العراقية لايصح السكوت عليه وطالب بمعاقبة المسؤولين وعزل رئيس الديوان الملكي الاستاذ فهمي المدرس من منصبه وتأبى الصدف الا ان يقال ان الملك اصيب بالزائدة الدودية في تلك الاثناء وان الاطباء والانكليز يوصون بوجوب اجراء عملية مستعجلة لاستئصال هذه الزائدة فاجريت العملية في الخامس والعشرين من آب 1922 واصبح المندوب السامي سيد الموقف فتذكر عمرو بن العاص يخاطب حماية الفسطاط..صفا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ماشئت ان تنقري*فاصدر امرا باقفال الحزبين: الحزب الوطني وجمعية النهضة العراقية وابعاد رؤسائهما الى جزيرة هنجام في الخليج العربي وهم السادة. 1-محمد جعفر ابو التمن. 2-حمدي الباجه جي. 3-مهدي البصير. 4-عبدالرسول كبة. 5- محمد امين الجرجفجي ثم الحق بهم حبيب الخيزران كما امر بتعطيل جريدتي الرافدين والمفيد ونفي مديريهما فابعد سامي خوندة واختفى ابراهيم حلمي العمر.وفي الوقت نفسه ارسل عددا من الطائرات البريطانية فقصفت قبائل آل فتلة في المهناوية والاكرع في عفك وخفاجة في الشطرة والعزة في منصورية الجبل فدمرت الاكواخ واحرقت الزروع وسبت النساء والاطفال، كما امر بفصل متصرف لواء الحلة علي جودة وقائممقام الشامية خيري الهنداوي وقائممقام (ابو صخير) شاكر الملا حمادي كما امر كلا من السيد محمد الصدر والشيخ محمد الخالصي بمغادرة العراق الى ايران فورا، وهكذا قضى المندوب السامي على الحركة الوطنية قضاء مبرما ولما شفي الملك من مرضه وسمح له الاطباء بمزاولة عمله قصده المندوب السامي في بيته وحمله ان يوجه اليه كتابا بتسويغ ماقام به فلم يسع فيصل ان يرد هذا الطلب فكتب اليه هذه الرسالة مكرها.عزيزي سير برسي.الان وقد تم شفائي بحمد الله تعالى وسمح لي اطبائي ان استأنف اشغالي في الدولة، ارى من واجبي قبل ان اتولى هذه التبعة، ان اقدم الى فخامتكم بصفتكم ممثلا لبريطانيا، تشكراتي القلبية وان اعبر لكم عن اعجابي الشديد للسياسة الحازمة والتدابير الضرورية التي اتخذها فخامتكم بصفتكم ممثلا لحكومة صاحب الجلالة بصيانة المصالح العام

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram