بغداد / المدى كثيرون يتحدثون عن سمات العصر الذي نعيشه ... البعض يصفه بأنه عصر التكنولوجيا ... والبعض يراه عصر العولمة والبعض لا يراه إلا عصراً للإرهاب والحروب والعنف والكوارث ... وربما صدقت كل هذه الصفات وغيرها ... لكن في كل اللحظات الإنسانية التي تنتزعني أحيانا من هذا الواقع المادي الذي نعيشه إلى مواجهة الذات ، أجد نفسي راغبا في البكاء على زمن لا أراه سوى انه الزمن الذي يقترب بنا من النهاية !...
منذ أسابيع قليلة كانت النهاية التي وضعها القدر لخلافات زوجية لم تشفع العشرة بينهما ولا الحب والود في نسيان الماضي والخلافات والصلح والتصالح ولو من اجل أبنائهما !... الزوجة تركت بيتها ... والزوج استسلم للواقع وعاش وحيدا ... لم يعد مهماً من يعد له طعامه أو يغسل ملابسه أو ينظف غرف بيته أو يسلي وحدته أو يقدم له الدواء ... أصبحت الذكريات هي كل حياته ... هنا كانت ترقد زوجته إلى جواره ... وهنا كانت تلعب ابنته وهناك كان يدرس ابنه ... كانت ضوضاء البيت وشغب الأطفال أجمل من كل السمفونيات في العالم !.. كان وقتها موظفا يعود إلى بيته عصرا حاملا لأبنائه وزوجته كل ما طلبوه منه في الصباح ... وكان الحديث أمام شاشة التلفزيون بين أفراد الأسرة في المساء أعظم لحظات المتعة في حياته ... لكن بعد كل هذا العمر ضاع كل شيء .. انقلبت عليه زوجته كما انقلبت الشعوب العربية في الربيع العربي على حكامها ... وركبت رأسها وأقسمت أن تحل المشاكل بينه وبينها في المحاكم !... ولم يعترض الزوج ... ربما تذكر الحكمة التي تقول ( أربعة لا أمان لهم : الحاكم وإن كان قريبا ... والزمن وإن صفا ... والعمر ولو طال .. والزوجة وإن طالت عشرتها ) ،لكن هذا القول لا ينطبق على كل النساء ... إلا أن حظه أوقعه في واحدة ممن شملتهم الحكمة !... قالوا له إن زوجته ذهبت إلى المحكمة تطالب بالبيت الذي يقيم به والذي كتبه باسمها في أيام العشرة السعيدة !.. وكاد الرجل يبكي وهو يهمس لمحدثه : "آني اللي طردتها ... البيت تحت أمرها .. آني اللي سجلته باسمها .. لكن أخرج ... وأروح وين ... أبات بالشارع ؟! ) .. وجاءه قريب زوجته يحذره من البقاء في البيت ويطلب منه أن يحل الموضوع وديا بالرحيل منه والسكن مع شقيقته بدلا من حكم المحكمة الذي سينفذ بالقوة ... وبكى الرجل أمام إصرار زوجته التي ترفض الإقامة معه في بيت واحد ... ولم يجد في النهاية سوى أن يستجمع قوته ويعلن لأقارب زوجته رفضه مغادرة البيت ... وصاح قائلا : حتى لو تجيب الشرطة وتطلعني بالقوة آنا ما اطلع من البيت ... فشلت كل محاولات الصلح ... وظل الأستاذ (م) بعد أن أحيل على التقاعد قابعا أمام نافذة بيته لعل وعسى يرى زوجته (ف) وهي عائدة مع اصغر بناته تعتذر له عما بدر منها في حقه ! لكن مضت الأيام دون أن ترجع (ف) إلى زوجها ذات صباح أو مساء ربما كان سهوا من الأيام أو عنادا من (ف) !.وبدأت جلسات المحكمة ... أرسلوا التبليغ إلى الزوج مرة تلو الأخرى ... لكن الأستاذ (م) لم يحضر أي جلسة ... ومضى عام وخلفه عام آخر حتى صدر حكم لصالح الزوجة بتسليمها البيت ... كانت فرحه عارمة ملأت قلب (ف) .. كأنها انتصرت على عدو غاشم لم يكن بينها وبينه يوم ... هذا الحب والحنان ... هؤلاء الأولاد وتلك الأسرار التي شهدت عليها جدران البيت ... اصطحبت الشرطة ... وذهبوا إلى البيت طرقوا الباب طويلا دون أن يفتح ... قالت الزوجة للمبلغ إنها حيلة من زوجها حتى لا يسلمها البيت .. كسر المبلغ باب الدار ... كانت المفاجأة .. الأستاذ (م) فارق الحياة منذ عامين ! وتحولت جثته إلى هيكل عظمي ...! المفاجأة أخرست الجميع .. وفجأة .. انهمرت دموع (ف) ... ربما لأنها لم تشعر بلذة الانتصار !.. وربما كانت دموعا للاعتذار ... بعد فوات الأوان ... لكنه اعتذار لا يكفي وان ظلت تبكي العمر كله !
الاعتذار من الزوجة العنيدة أحياناً لا يكفي!
نشر في: 15 يناير, 2012: 06:01 م