ضياء الشكرجيهناك تلازم بين المثقف والديمقراطي، والديمقراطية بالضرورة هي علمانية، نحن عندما نقول إعادة النظر، يعني هناك اختلاف، إذن لا نقول ليس هناك اختلاف في الأفكار، لا بل هناك اختلاف في الأفكار، وهناك صدام بين الأفكار، وهناك خصام.
بينما المشكلة ليست في أن تختلف الأفكار في ما بينها، بل المشكلة في أنه كيف نتعامل مع هذا الاختلاف، وهنا تكمن المشكلة، لأن الثقافة في تصوري لها بعدان، بعد معرفي، وبعد نستطيع أن نقول عنه نفسي أخلاقي، فمثلا عندما نتكلم عن ثقافة التسامح، فإن هذه قضية نفسية، أن أكون قادرا على أن أتسامح مع الآخر الذي يختلف معي، مما يعني أنها ليست قضية معرفية أو رؤية فلسفية محضة مبنية على أسس فكرية وحسب، وإنما هذه القضايا كالتسامح وغيره من الأمور النفسية والأخلاقية. أنا أقول بالعكس إن مجتمعنا يحتاج إلى أن يتعلم ويتمرن كيف يتعارك عراكا إنسانيا عقلانيا حضاريا سلميا، فنحن عندما نخفي اختلافنا، فهذا يعني أن هناك مشكلة. لماذا علي أن أخفي خلافي مع الآخر؟ لوجود تخوف من أنني قد لا أتحمل هذا الاختلاف، وهو أيضا قد لا يتحمل هذا الاختلاف، لذلك نجامل بعضنا البعض، ونخفي اختلافاتنا. مجتمعاتنا تحتاج إلى أن تظهر الاختلاف، وتطرحه بشكل واضح جدا، وتتمرن على ألا يؤدي هذا الاختلاف إلى عداء. ولدى اطلاعي على الورقة وجدت نوعا من الربط بين الفعل الثقافي والفعل الثوري، وبالتالي فالفعل الثوري قد يكون فعلا "راديكاليا" أحيانا، وهذه هي مشكلة المثقف، فأنا بتصوري أن مشكلة المثقف الموجودة باستثناء من تجاوز هذه الأمور، هي إما أن يكون متشددا في راديكاليته وثوريته، وبالتالي تفقد الثقافة جماليتها، وتفقد قدرتها على الإبداع، لأن الإبداع لا يمكن أن يتحقق، ما دامت هناك مسلمات ونهائيات، والراديكالي بالضرورة تكون له مسلمات ونهائيات، وأمور غير قابلة للمناقشة وإعادة النظر، كما أن هناك المثقف الذي يخدم السلطة، وفي الوقت نفسه هو مختلف معها؛ السلطة التي يريد أن يغيرها، ولكن بمعنى أن يخدمها لأنه هو إنسان نفعي وصولي أو من موقع الاضطرار باعتبار أن الثقافة فيما تحتاج، تحتاج إلى المادة، لأن المثقف الفقير لا يستطيع أن ينتج، وبالتالي أي جهة تحتضنه وتسد هذه الثغرة التي لديه، سيكون مستعدا لخدمتها، أو مجاملتها أو لأقل السكوت عن انتهاكاتها. وهنا سيقع في ازدواجية رهيبة بين مشروعه الثقافي، وبين كونه تحول إلى مثقف مرتزق. وكذلك من أمراض بعض المثقفين، التعالي على الشأن السياسي؛ إذ يرى أنه لا يناسبه أن يخوض في الفعل السياسي بشكل مباشر، أي أنه يعطي ملاحظاته من برج عاجٍ، لكن لا يدخل الميدان، كونه لا يليق به كمبدع ومثقف أن يكون مباشرا في فعله السياسي وهذه مشكلة طبعا، إذن هناك عاملان يتجاذبان المثقف؛ عامل أنه يريد أن يكون مبدعا، فيكون مغاليا في اقتصار ثقافته على البعد الجمالي، فيتحول إلى حالة من الثقافة الترفية التي لا تحمل أي رسالة، وبين الذي يغالي في رسالية الثقافة، فتتحول ثقافته إلى ثقافة مؤدلجة، وهذا سوف يحول دون الإبداع. الفعل الثوري الوطني بمفهومه الراهن، هو ما نعبر عنه بمشروع الديمقراطية العلمانية، إذ لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية من دون علمانية، وهنا نجد أن بعض الثوريين وقعوا بما وقع فيه الظلاميون الذين يحملون مقدسات ونهائيات غير قابلة للنقاش، فعندما يتم الحديث عن الديمقراطية العلمانية، يجري بطريقة توحي وكأنما اليسار وحده يحتكر المنهج الديمقراطي العلماني. أنا لا أتكلم عن تقسيم كمي، وإنما نوعي، هناك تيار جديد يطلق عليه (ليبرالي)، والليبرالية ليس هي ليبرالية تتعارض مع العدالة الاجتماعية، لأن الليبرالية تعتمد أساسا مهما جدا، ألا وهو البعد الإنساني، إلى جانب البعد العقلاني، فالبعدان الإنساني والعقلاني حاضران دائما عند كل مثقف، كما عند السياسي الديمقراطي العلماني، بغض النظر إن كان يساريا أو ليبراليا. المشكلة في الواقع التي جعلتنا ربما نعيش بعض الازدواجيات، أنه حتى المثقف قد يحمل ثقافة المسلمات الموروثة، التي نتجت عن متراكمات هذا الخزين الثقافي عبر قرون طويلة، أثرت حتى على من لا يتبنى هذه الثقافة، وجعلته يحمل أخلاقية وثقافة هذا الموروث نفسه. الحرية - التي كانت الحركات المناضلة التي تعمل من أجلها - تعني حصرا التحرر من التبعية الأجنبية، إذ كانت هناك أنظمة عميلة للغرب، أو هكذا كنا نراها، ولو إن الغرب أيضا يتحمل مسؤولية ذلك من خلال ازدواجية السياسة، فهو أنتج ديمقراطية لديه، ولكن في الوقت نفسه أنتج دكتاتوريات في المناطق التي لديه مصالح فيها، وهذا أدى إلى انفصال نفسي وثقافي عن البيئة التي أنتجت الديمقراطية، فالغرب هو البيئة المنتجة للديمقراطية، حيث وضعنا حاجزا نفسيا اتجاه هذه البيئة، فلذلك لم نتفاعل تفاعلا حقيقيا مع الديمقراطية. الإنسان الشرقي نراه يقبل دكتاتورا وطنيا، ولا يقبل - لنفترض - احتلالا يحفظ كرامة الإنسان وحريته وحقوقه. إذن هناك خلل في ثقافتنا ومنظوماتنا، وأنا أتصور حتى في ما يتعلق بالازدواجية التي وقع فيها الغرب، كي أكون منصفا، أنا شخصيا أن ما مارسه الغرب تجاهنا من ازدواجية، هو بسببنا نحن، لأنه رأى مج
مداخلات عن (حزن الثقافة المرير)5-5..المشكلة ليست بالاختلاف بل بالتعامل معه
نشر في: 15 يناير, 2012: 06:13 م