TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: نهديك انتحارنا

قرطاس: نهديك انتحارنا

نشر في: 15 يناير, 2012: 06:35 م

 أحمد عبد الحسينقبل أيامٍ انتحر إيطاليان ( زوج وزوجته) في غرفتين منفصلتين بفندق رثّ في إقليم بوغليا حيث كانا يسكنان. سالفاتوري دا سالفو(64 عاما) وزوجته انتونيا أزوليني (69 عاما) كانا قد أرسلا رسائل كثيرة إلى بيرلسكوني طوال فترة رئاسته للحكومة الإيطالية يشرحان له فيها ضنك العيش الذي بات يعيشه الطليان في ظلّ حكمه، مستشهدينِ بوضعهما الشخصيّ، فقد باعا منزلهما وفقدا وظيفتيهما واضطرا للعيش في هذا الفندق الذي يصفانه في إحدى رسائلهما "مثل جحر الفأر، ساخن ورطب وعطن إلى درجة الجنون".
لكن بيرلسكوني لا يسمع، وإن سمع فلا يأبه، إنه من صنف السياسيين الجدد الذين لا يمكن لأيّ جهاز فحص ليزريّ أن يعرف خلايا اللصوصية في شخصياتهم من خلايا السياسة، ولا يستطيع أحد مهما كان مقرباً منهم أن يدرك الآليات التي استطاعوا بها أن يصالحوا بين كلام كثير عن القانون والدستور والديمقراطية وبين فسادٍ ماليّ وأخلاقيّ وتكالب على المال الحرام يباشرونه هم وأبناؤهم ومقربوهم بدون وجع قلب.ذهبتْ استغاثات الزوجين الإيطاليين أدراج الرياح، لصوص السياسة في كلّ مكان ليست لهم آذان تلتقط صرخات الألم الذي يسببونه للناس، يذهبون إلى كراسيهم بجهاز مناعة قويّ ضدّ الشفقة والتعاطف، تعب هذان الزوجان، استسلما أمام الضمير الفولاذيّ لهذا السياسيّ ـ اللصّ، انهارا في لحظة يأسٍ وقررا الانتحار. لكنهما قبل انتحارهما وجّها رسالة أخيرة إلى بيرلسكوني وفيها هذه الجملة التي يلقيها المحكوم بالإعدام أمام قاتليه: " لا شك في أنك ستعلم من الصحف الكيفية التي يموت بها أولئك الذين لا يقبلون بغير العيش بكرامة إنسانية يجب أن تتوفر للجميع، وبعيداً عن النفاق والقسوة اللتين تتمتع بهما، أيها النبيل العظيم، مع أمثالك من الساسة". جعلا من انتحارهما تحفة مغلّفة وعليها هذا الإهداء "يا سيلفيو العظيم والنبيل والرفيع .. إليك نهدي انتحارنا"!وصلت الهدية إلى سيلفيو العظيم، ربما انزعج من السخرية المريرة التي فيها، لكنه بالتأكيد نسيها بعد دقائق، انشغل بخصوماته المزمنة، بحساباته المالية، بثرثرته اليومية حول القانون والدستور والديمقراطية.شعوب كثيرة يئستْ، بعضها ثار وقلب عاليها سافلها، في الدول الديكتاتورية يبرز خيار الثورة والعصيان تلقائياً ويمرّ التغيير عبر كثير من الدم والدموع، كما حدث في ليبيا وتونس ومصر، لكن في الدول (الديمقراطية) ماذا يمكن للفرد أن يفعل؟ في دولة يحكمها لصّ ديمقراطيّ .. ما العمل؟أفكر الآن بحالنا مقارنة بحال هذين الزوجين المنتحرين، ملايين العراقيين لا يجدون عيشاً سويّاً، لا يجدون ماء صالحاً للشرب، لا كهرباء، لا وظائف، لا أمن ولا كرامة، إنهم لا يجدون حتى هذه الغرفة الساخنة والرطبة التي انتحر فيها سالفاتوري وزوجته.أصابنا القنوط من كثرة الخطابات التي وجهناها إلى السياسيّ ، اللصّ النبيل العظيم الرفيع، وصلنا إلى الحائط الحديديّ الذي يغلّف ضمائر لصوصنا الحاكمين، فهل علينا الانتحار ليسمعوا؟ ولمن سوف نهدي انتحارنا؟ لجميع اللصوص أم لأكبرهم وأكثرهم ثرثرة عن القانون والدستور والديمقراطية؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram