أحمد عبد الحسين الآن أكثر من أي وقتٍ مضى يبدو أن الإسلاميين ـ بشقيهم الكبيرين السنيّ والشيعيّ ـ لا يستطيعون التعايش مع الديمقراطية بل مع شكلها ومظهرها فحسب، مع أيقونتها المتمثلة بصندوق الاقتراع. أما الكلام الكثير عن تلازم الديمقراطية والإسلام وإمكان التزاوج بينهما فهو ـ لأسباب كثيرة ـ يبدو كالجمع بين ماء ونار، ولفظ "إسلام ديمقراطيّ" يتخذ صيغة فيها من الخُلف المنطقيّ الكثير بحيث تتساوى وعبارة "المثلث الدائريّ" مثلاً.
للإسلام نواة صلبة من العسير تكييفها مع طلاقة التداول العامّ للأفكار والآراء الذي تستلزمه أية ديمقراطية، يدرك الإسلاميون ذلك، ولذا فإنهم بدل أن يخففوا من صلابة الدين ـ عقائد وشرائع ـ عمدوا إلى اختراع ديمقراطية على مقاس هذه العقائد وتلك الشرائع، طريقتهم الديمقراطية خاصة، كما كانتْ "طريقتنا خاصة في بناء الاشتراكية" زمن صدام الذي أنشأ لنا فوضى عارمة ليس فيها من الاشتراكية إلا الاسم.ليس في أدبيات الأحزاب الإسلامية الشيعية الحاكمة اليوم أية إشارة إلى الديمقراطية، وإذا كانوا كثيري الكلام عنها بإفراط فلأنّ الاستقطاب الطائفيّ، الذي أشاعوه وكرّسوه ونوّعوا عليه، يفيدهم في حيازة أغلبية مريحة.لا يستطيع الإسلاميّ العيش ـ ديمقراطياً ـ إلا بعد أن تُمهّد له الأرض احتراباً طائفياً وشحناً لنوازع بدائية، وبعد أن يستنفر في المجتمع أعمقَ مكوّنات ما قبل الدولة: العشائرية.الدولة العراقية اليوم تسير في الطريق المؤدي لـ"ديمقراطية" خاصة جداً تشبه اشتراكية صدام الخاصة، ديمقراطية مفصلة بحيث لا تزعج ذوي العقائد المهيمنة، وتؤسس لديكتاتورية الأغلبية من أجل أن تكون هذه الأغلبية الساحقة "ساحقة" لثقافات المكوّنات الأخرى.أزداد قناعة كلّ يوم أن المشكلة لا تتعلق فقط بأشخاص وجدوا أنفسهم متلبسين بحكم رفعتهم إليه رافعة الطائفية، بل هي معضلة الإسلام السياسيّ ككلّ، بدليل أن مصر مثلاً التي فتحتْ عينيها توّاً على مآزق لا حصر لها بعد انهيار حكم مبارك، تقف في امتحان عصيب بين اختيار الديمقراطية أو الإسلام، قبل يومين حوكم رجل قبطي لأن مدونته الإلكترونية نُشر فيها ـ عرضاً ـ رسم يصوّر الفأر ميكي ماوس بلحيةٍ وغترة، وصاحبته الفأرة بنقاب.في شوارع مصر يدور الإسلاميون "الديمقراطيون ما داموا انتخبوا وفازوا!" في شوارع القاهرة يحملون قماشاً يغطون به التماثيل والنصب، كما فعل إخوانهم الإسلاميون عندنا في تضييقهم على النحت والمسرح والغناء والرقص.إسلام يعشق الديمقراطية، لأن الأغلبية الآن معه، لو فقدها فسيعود إلى سيرته الأولى التي عرفتها مصر قتلاً وإرهاباً، وعرفتها أفغانستان والسودان والصومال وكثير من الدول التي لم يتواشج فيها إسلامهم مع ديمقراطيتهم لإنتاج كائن غريب.في إسلام كهذا تغدو الحياة "مثلها مثل الفنّ" عورة يجب أن تغطى، وخير غطاء يخفي الحياة تماماً ويجعلها تافهة وغير مستساغة هو هذه النسخة الجديدة من الإسلام، الذي لا يعرف أحد أحمامة هو أم غراب!
قرطاس :إسلام وديمقراطية!؟
نشر في: 16 يناير, 2012: 07:22 م