حازم مبيضينبالرغم من الإشارة الرسمية إلى أن القمة الأردنية الأميركية, التي تنعقد اليوم في واشنطن, بين العاهل الأردني والرئيس الأميركي, كانت مقرة سابقاً, فإن توقيتها والملفات التي تبحثها تستحق التوقف, فالملك يزور العاصمة الأميركية, المنشغلة بالتحضير للانتخابات الرئاسية, بعد عام من الربيع العربي الذي لم تتضح بعد نتائجه النهائية, وهو يأتيها من بلد تعرف هي أهميته,
خصوصاً وأنه قرر السير في طريق الإصلاح السياسي بنعومة وسلاسة, فأنجز إصلاحات تشريعية ويسعى للمزيد, وهو قادم من بلد مجاور لسوريا التي تشهد أحداثاً عميقة, ستؤثر نتائجها في مجمل دول المنطقة, ومجاور أيضاً لفلسطين التي تتعثر التسوية السلمية لمعضلتها بسبب تعنت حكومة اليمين الصهيوني. يذهب الوفد اﻷردني إلى واشنطن, وهو يدرك أن لدى بعض أركان الادارة الأميركية نظرة سلبية لملف الإصلاح السياسي, وعدم قناعة بجديته خصوصاً لجهة قانون الانتخاب المطلوب, ومعروف أن هناك أجندة أميركية محددة تتعلق بالتركيبة السكانية، وحقوق الأردنيين من أصل فلسطيني, وطبيعي أن يثير ذلك مخاوف مشروعة لدى عمان من فتح الأبواب لأزمة وطنية, تتمحور حول قضية التوطين والوطن البديل وطي ملف اللاجئين, وتأثير ذلك في طبيعة التركيبة السكانية, مع ضرورة ملاحظة أن المسألة الفلسطينية, وبحكم التحولات الكبيرة في العالم العربي, تقع في أدنى سلم الاهتمامات الدولية والإقليمية, وبما يثير شهية الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في فرض حلول لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الأردنية, وتسعى لتعظيم مكاسبها بعد أن أحبطت كل الأطراف المؤمنة بالسلام, الذي تحول على يدها إلى سلام بارد.بغض النظر عن نتائج الزيارة, فإن المؤكد أنها كانت ضرورية لعدة أسباب, أبرزها إسماع الأميركيين صوت العقل العربي, فالأردن دولة لم تغير منذ نشأتها الأولى في قناعاتها السياسية, وهي وإن تبنت خطاباً ثورياً في العلن, استجابة لمطلب الشارع, فإنها ظلت تتبنى المسار السياسي على الصعيد الفلسطيني, لأسباب تتعلق بفهم واضح للواقع الراهن, ومع ذلك فقد خاض الجيش الأردني كل الحروب العربية مع الدولة العبرية, ومع ذلك متن علاقته بالولايات المتحدة التي لم تخف يوماً انحيازها للرؤية الصهيونية حول طبيعة الصراع في المنطقة, وإلى حد تبنيها للرؤية التلمودية حيال الإسلام باعتباره ديناً للمتطرفين والإرهابيين, وينبع ذلك من قناعة صاحب القرار الأردني, بضرورة التواصل مع كل الأطراف المؤثرة في العالم, وفي واشنطن على وجه الخصوص.ليس سراً أن الجانب الأردني سيركز في واشنطن على حجم المساعدات الاقتصادية المحتاجة عملياً إلى زيادة تتناسب مع وزن الأردن السياسي, ودوره الكبير في البحث عن استقرار المنطقة وهدوئها, إضافة إلى الدور الذي يلعبه في العديد من القضايا العالمية, وهي أدوار يستحق عليها دعماً أكبر في ظل أوضاعه الاقتصادية المعروفة عند الأميركيين, والتي قد يؤدي تفاقمها إلى تراجع تلك الأدوار, والانكفاء إلى الداخل بحثاً عن حل لأزماته, وواضح أن ذلك ليس في مصلحة السياسات الأميركية في هذه المنطقة الحيوية من العالم, خصوصاً مع تسارع وتيرة الأحداث في سوريا, والدور الأردني المطلوب, سواء تم حسم الأمور بالتدخل العربي, في شكله الراهن أو أي شكل آخر, أو انتقل ملف الأزمة إلى التدويل. سيعود الملك من واشنطن بعد أن يستمع فيها إلى مطالب غير محقة حول الحقوق السياسية للأردنيين من أصل فلسطيني, صحيح أن المسألة داخلية ومعقدة ومرتبطة بغيرها من المسائل, ويجب أن ترتبط بأجندتنا نحن، ﻻ بالأجندة اﻷميركية، لكن الصحيح أننا لم نواجهها بشكل مباشر وإصلاحي, وتركناها تراوح بين مناكفات الإسلاميين الرافضين لفكرة فك الارتباط مع الفلسطينيين, وصراخ الزاعمين أنهم المحافظون على الهوية الوطنية, ولم نعمل بجدية على التوصل إلى عقد اجتماعي توافقي، يحمي هوية البلاد ولا يضحي بمبدأ المواطنة, وقيمتها كمدماك أساسي في العلاقات الاجتماعية وعلاقة المواطن بدولته, وبما يمنح الدولة القدرة على حسم ملفات أخرى, تحتاج إلى قرارات حاسمة.
في الحدث: عبد الله الثاني فـي واشنطن.. لماذا الآن؟
نشر في: 16 يناير, 2012: 08:18 م