قبل أن نلج في حيثيات فيلم (صائد الغول) للمخرج النرويجي أندريه أوفردال لابد لنا من الإشارة إلى أن هذا الفيلم الذي يجمع بين الرعب والأسطورة والخيال العلمي إنما يعتمد على نوع سينمائي يُطلَق عليه اسم الفاوند فوتِج الذي يمكن ترجمته بـ (اللُقى المُصوَّرة) ونعني بها أشرطة التصوير السينمائية أو الفيديوية التي تمَّ العثور عليها بعد أن اختفى الشخص الذي صوّرها أو ضاعَ أثره تماماً. تُستعمل في هذا النمط من الأفلام الكاميرا المهتزّة التي تهدف إلى تحقيق الواقعية في العمل برمته.
عدنان حسين أحمديعود هذا النوع السينمائي إلى أوائل الثمانينات من القرن الماضي، ويمكن الإشارة إلى فيلم (محرقة آكلة لحوم البشر) الذي أنجزه المخرج الإيطالي روغيرو ديّوداتو عام 1980، و(مشروع الساحرة بلير) للمخرج الأميركي دانييل ميريك، و(نشاط خارق) لأورين بيلي، و(كلوفرفيلد) لمات ريفز وعشرات الأفلام التي تدور في إطار اللُقى المُصوَّرة التي كانت مفقودة، ثم يتم العثور عليها لتصبح مادة أساسية لفلم ينطوي غالباً على الرعب والجريمة والترويع وما إلى ذلك. وفيلم (صائد الغول) لا يخرج عن هذا الإطار المطروق كثيراً ويمكن العودة حالياً إلى أكثر من سبعين فيلماً يعتمد على أشرطة تصوير كانت مفقودة ثم ظهرت إلى الوجود بطريقة ما لتصبح أفلاماً جديرة بالمشاهدة. ويمكن إحالة القارئ الكريم إلى بعض من هذه الأفلام مثل (بلا عنوان) لشون تروك، و(أبولو 18) لغوانزالو لوبيز غاليغو، و(الشرّير) لفرديناندو باريدا لونا، و(عيون في الظلام) لبورن أندرسون و(أشرطة بوكيبسي) لجون أريك دودل وغيرها من اللُقى المُصوَّرة التي يمكن أن تكون أفلاماً ناجحة إذا ما وقعت بيد مخرج محترف من طراز أوفردال.صائد الغيلانانطلق المخرج النرويجي أوفردال من حكاية شعبية مستوحاة من الأساطير النرويجية التي يتداولها الناس بصدد الغيلان. ويبدو أن الذاكرة الجمعية المثقفة لا تؤمن بهذا النمط من الحكايات الخيالية المستمدة من الخرافات الشعبية التي تؤمن بها شريحة محددة من الناس، ولذلك فإنهم يأتون على ذكر الغيلان حينما يريدون أن يخيفوا أطفالهم أو يجبروهم على النوم أو التزام الهدوء في أضعف الأحوال. لقد انطلق أوفردال من هذا النتوء الواقعي الذي يمكن أن تصدّقه فئة محددة من الناس، وليس كلهم، لكن غالبيتهم قرأوا هذا النمط من القصص الخرافية التي سنضطر إلى (تصديقها) عندما نراها مجسدّة أمامنا على الشاشة الكبيرة البيضاء، أو هكذا يطمح مخرج الفيلم وكاتب قصته السينمائية الذي اعتمد في بناء فيلمه على أشرطة تصوير تم العثور عليها بعد أن توارى طاقم التصوير وضاع أثرهم.البناء الكرونولوجييعتمد المخرج في هذا الفيلم على البنية الكرونولوجية التي تتوالى فيها الأحداث بزمن خطّي واحد من دون الاعتماد على استعادات ذهنية. فبعد عدد من عمليات القتل غير القانوني لعدد من الدببة وإلقاء جثثها على قارعة الطريق يقرر ثلاثة طلاب أن يتابعوا هانز، صائد الدببة الذي يكنتف حياته الغموض، وتلفّها السرية المطلقة لأنه يغادر ليلاً ويعود مع خيوط الفجر الأولى. وحينما يقترح عليه توماس أن يسأله عن الدببة المقتولة بطريقة غير شرعية يمانع هانز ويرفض أن يتجاذب معه أطراف الحديث، لكن إصرار هذا الشاب لا حدود له، إذ يقرر متابعته مساءً ويلج معه الغابة التي تنطوي على أسرار كثيرة، وحينما يعود هانز مذعوراً وهو ينادي بهلع (غول!) يقرر الطلاب الثلاثة أن يذهبوا معه بسيارته، لكنهم يندهشوا حينما يروا سيارتهم مقلوبة ومحطمة وقد غابت إطاراتها المطاطية الأربعة بطريقة غريبة.يوافق هانز على مقترح توماس في متابعته وتصويره وهو يصيد الغيلان. ونراه غير مرة وهو يواجه هذه الكائنات العملاقة التي تتحرك في الليل فقط لأنها لا تستطيع أن تواجه ضوء الشمس الذي يؤدي إلى تحجِّرها أو انفجارها. وحينما ينتصر هانز على الغول الأول ويحوله إلى كومة من الأحجار نشاهد مجيء فين هوغن، المسؤول عن مصلحة أمن الغيلان، الذي يمنع الطاقم من التصوير. ثم نكتشف في المرات القادمة أن هانز يعمل لمصلحة الحكومة النرويجية التي كلّفته باصطياد الغيلان التي تترك مضاربها وتقترب من حافات المدن المأهولة بالسكان، فلا غرابة أن تروّج الصحف إلى نمطين من المعلومات؛ الأول يتعلّق بهانز وغيلانه التي يقدّمها لنا وكأنها حقيقة مطلقة لا مجال للشك فيها، والثاني يتحدث عن مقتل دببه بطريقة غير قانونية وإلقاء جثثها بالقرب من مزارع السكّان الأصليين التي تتناوب على تخريبها الغيلان العملاقة من جهة والأعاصير من جهة أخرى. وعلى الرغم من ميل الناس المثقفين إلى الحقائق العلمية إلا أن هانز له جمهوره الذي بات يصدّق مزاعمه بوجود هذه الغيلان في شمالي النرويج وغربها غير أن الحكومة تعتّم على هذه الظاهرة التي تفتك بالمزارعين النرويجيين وببعض السياح الذين أصبحوا أثراً بعد عين.يصادف متلقي هذا الفيلم الغيلان أربع مرات، كما يشاهد تحجّرها أو انفجارها غير مرة، لكن المشهد الأخير هو الأكثر رعباً بين مشاهد الفيلم التي تنطوي على الشدّ والتوتر والترويع حينما يوجّه بندقيته التي تُطلق ضوءاً قوياً مكوناً من أشعة فوق بنفسجية ليحيل الغول العملاق إلى تل من الأحجار المتراكمة، بينما يوجّه طاقم التصوير إلى الشارع العام لكي يهربوا بأشرطة التصوير بعيداً عن فين هوغين الذي لا يكف عن ملاحقتهم لكي لا يكشفوا المأزق الكبير الذي وقعت فيه الحكومة النرويجية وهي تتكتم على هذه الظاهرة الغولية التي جندت له
غيلان أوفردال وتقنية الفاوند فوتِج
نشر في: 18 يناير, 2012: 07:00 م