مازن الزيديالأنباء تتحدث عن عودة وشيكة لوزراء العراقية ونوابها الى "بيت الطاعة". هذه العودة تأتي بعد يوم واحد من اصدار رئيس الوزراء قرارا يقضي بمنع الوزراء المتغيبين من دخول وزاراتهم و"إبطال" اي قرارات يتخذونها، كما انه يتزامن مع "تلويح" حكومي ببث مزيد من اعترافات "مسلسل الهاشمي" التي تتحدث التسريبات عن تورط مسؤولين آخرين في بعض حلقاته.
العراقية تعود بحركة ارتجالية بعد ان كان انسحابها كذلك. ولسنا نعارض تخفيف الاحتقان الذي عاشته البلاد خلال الاسابيع الثلاثة الماضية، لكنا نعارض بشدة الارتجال في اتخاذ المواقف بضمنها "قرار العودة" الذي يكرس الانطباع السائد عن تخبط قائمة علاوي برؤوسها العديدة المتطلعة لزعامة الشارع السني. فالمراقبون يجمعون على ان العراقية ارتكبت خطأين استراتيجيين منذ خوضها الانتخابات الماضية، الاول كان عندما قررت الانخراط بمفاوضات مرهقة انتهت بتفضيلها مقاعد الحكومة على مقاعد المعارضة، والخطأ الاخر هو تعليق حضورها في جلسات مجلس النواب. فما معنى ان يعلق نائب منتخب حضوره في بيته ويفوت على نفسه "فرصة ذهبية" للنيل من خصمه اللدود في مناقشات الموازنة العامة وامكانية احراجه في ملفات الامن والخدمات وغيرها. للاسف فان القائمة العراقية، التي تمثل الشارع السني مهما قيل عن طيفها الوطني، باتت تلحق اكبر الاضرار بجمهورها في المحافظات الغربية بداية من صراع مكوناتها على الحكومات المحلية وليس انتهاء بتسييس ملف الاقاليم الامر الذي ادخلها في دهاليز الاشكاليات القانونية والاجرائية.العراقية بسلوكها هذا ترسخ فكرة انها لم تك مؤهلة للعب دور المعارضة القادر على صناعة التحولات داخل بنية النظام السياسي "المتوحد" و "المتطيف"، برغم ما تمتلكه من شخصيات مرموقة، ذات تاريخ سياسي ونضالي معروف. ثاني اكبر كتلة سياسية في البرلمان، والتي ترفع شعار المشروع الوطني، تكرر سيناريو التخلي عن قادتها مرة اخرى، بعد ان انفض الجميع عن علاوي وانشغلوا بحصد المكاسب والمناصب وها هو قطار العراقية اليوم يترك طارق الهاشمي وجها لوجه امام قضاء عراقي يطارده بمذكرة اعتقال ومسلسل اعترافات تلفزيونية نجهل مدى مصداقيتها من الناحية القانونية حتى اللحظة. قطار العراقية يسير من دون معرفة الوجهة التي يقصدها لكنه يفقد قادته الواحد تلو الاخر ويمضي الى المجهول بما يدفع راكبيه الى الترجل منه تفاديا للهلاك. قد يعتبر البعض عودة العراقية لمجلسي النواب والوزراء مؤشرا ايجابيا على "عودة المياه الى مجاريها" بين الفرقاء السياسيين وعودة "الدفء" الى حكومة الشراكة الوطنية برئاسة المالكي. لكن المشكلة في فهم هذه "الشراكة" بين دولة القانون والعراقية، فالاولى تلخصها بتوزيع الكراسي والمناصب بين الخصوم لضمان صمتهم ازاء سلوكها، فما عليك عندما تنزعج من شخص او كتلة ما سوى زجه او زجها في منصب تنفيذي ليغرق في ركام الروتين اليومي وهو يسحب وراءه سيارات الـ"بيك" المحملة بالبريد اليومي الى منزله نهاية الدوام الرسمي! فيما تفهم العراقية الشراكة بانها "اتفاقات وصفقات" يتم عبرها تمرير رغبات ونزوات شخصية لبعض قادتها بعيدا عن الدستور وعن مصلحة البلد. بعض رموز العراقية يفهمون الشراكة بانها تحويل الدولة الى اقطاعيات وكانتونات منعزلة عن بقية الاجزاء الاخرى ليعشعش بها الفساد والافساد. لي ان تخيل مظاهر الزهو والجذل الذي يجلل المالكي وحلفاؤه بعودة خصومهم "بلا شروط"، ولي ان اتوقع اطلالة الاخوة علينا، قريبا جدا، على سرر متقابلين وهم يتبادلون النكات على وقع طق المسابح فرحين بلم الشمل وتبديد سوء الفهم. سينتهي المشهد بخطب عصماء تتحدث عن "تطور متصاعد ومطرد" في بناء الدولة تحت خيمة السيادة وبخرسانة "الشراكة"!العراقية تعود فماذا عن الشراكة الوطنية التي يجهل حقيقتها الجميع؟
نقطتين شارحة: قطار العراقية بلا قادة؟
نشر في: 18 يناير, 2012: 09:40 م