ترجمة: عدويّة الهلالي وفق الأسلوب نفسه الذي كتب به روايته المميزة (جرعة الشراب الأولى ومتع أخرى صغيرة)، يقدم الكاتب فيليب دوليرم مجموعته القصصية الجديدة (آثار) التي تتضمن نصوصا قصيرة تتمحور حول خط رئيسي، عناصره ببساطة هي الحياة والحنين..يبلغ عدد تلك النصوص 34 نصا مع صور لزوجته مارتين دوليرم، وفيها يراقب دوليرم آثار مرور الزمن والآخرين والشوارع واللحظات المارة والضباب على النوافذ والملصقات والبومات الصور ومقبرة السفن والألعاب النارية وأسماء الشوارع والسكك الحديدية...
دوليرم هو أستاذ قديم في الأدب وكان قد اشتهر بروايته (جرعة الشراب الأولى ومتع أخرى صغيرة)، إذ تم بيع أكثر من مليون نسخة منها..ويعمل حاليا على طبع مجموعة منتخبة من الكتب لدى منشورات سويل باللغة الفرنسية تحمل عنوان (طعم الكلمات)، وكان قد نشر روايته (رصيف في الشمس) في عام 2011..من جهتها، تقسم زوجته مارتين دوليرم حياتها بين الرسم والكتابة خاصة تلك الكتب الموجهة للشباب والتي شارك فيليب ذاته في كتابة بعضها..في كتابه الأخير (آثار)، نجد السحر الذي يندلق من قلم فيليب دوليرم من خلال دقة ملاحظته.. انه يرى ما لا نراه ويعرف كيف يروي أفضل من أي شخص، وفي بضع كلمات كل ما يدور حوله في الوجود.. دوليرم ليس أستاذا في الأدب فقط بل في فن التهام لحظات الوجود..انه يبرع في تحويل تفاصيل الحياة اليومية الجامدة الى أجواء رائعة، معتمدا على أسلوبه الانطباعي فهو يكتب وكأنه يرسم الأشياء ويصر على إننا يمكن أن نستمد السحر من جمود حياتنا اليومية مهما كانت تافهة فهو يجد السحر في سلة مهملات أو نكهة قهوة او قطار سريع او جرعة شراب لأنه يصنع الجمال في خياله ويضفيه عليها متفاعلا مع ما يكتبه لدرجة الاندماج فيه، فضلا عن انه تمكن من خلق الروح في هياكل عناصر التكنولوجيا التي يزخر بها عصرنا ولم يحاول ان يفر من حياتنا العصرية بحثا عن السحر والجمال بل واصل العيش في حاضرنا مستحضرا عناصره المختلفة في كتاباته بعد إضفاء شاعريته الداخلية عليها بأسلوب أدبي مميز يعتمد على الحساسية والمخيلة الرائعة... ويعمد دوليرم في كتاباته الى التركيز على لحظات الطفولة المتخمة بالخيال، إذ يعيد بها تأليف لحظات حياته الحاضرة بكل عاديتها وروتينيتها وكأنه يعيد إنتاج الذكريات القديمة ويبرز ذلك من خلال عناوين قصصه الغريبة رغم كونها عادية فهي تمثل أشياءً نصادفها يوميا في حياتنا دون أن ننتبه إليها، اما هو فيساعدنا على اكتشاف جمالية فيها لابد من أننا اغفلناها، فالناس ينامون القيلولة ويأكلون الحلوى ويركبون القطار ويذهبون الى البحر دون أن يتفاعلوا مع الأماكن والعناصر المحيطة بهم على طريقة دوليرم، فالعصفور بالنسبة له ليس مجرد طير بل هو جزء من الطبيعة بألوانه الزاهية وحركاته العذبة وكذلك الأمر في ما يخص الشجرة والفاكهة والقهوة وكل شيء آخر..أما الجريدة الحافلة بأخبار المآسي والحروب والقتل فله معها شأن آخر لأنه يصفها بشكل اقرب الى السيناريو السينمائي فنتخيل أنفسنا جزءا مما يحدث حولنا مهما كانت مراراته او حلاوته...انه يدور في الشوارع ويصف المطر والنساء ومطاعم البيتزا بشغف لا مثيل له...ويبقى أجمل ما ابتكره فيليب دوليرم هومنح التكنولوجيا من دفق شاعريته ففي الوقت الذي يفر فيه المرء من صخب العصر وضوضاء أجهزته،يجد دوليرم ناحية جمالية في خرير البراد في المطبخ او رنة الهاتف المحمول او تنقل المترو بين المدن او في التلفزيون او السيارة..انه ينجح في لمس الهواء وتأمل الفراغ وملاحقة حبات المطر، فهل سيجد صعوبة في التفاعل مع مفردات التكنولوجيا ؟بهذه الطريقة سحر دوليرم قراءه وينجح اليوم في تقديم وصفة سحرية جديدة لهم يبحث فيها عن زمنه الخاص حيث السعادة والمرح والطفولة الراحلة في مجموعته الجديدة (آثار) التي تتألف من 156 صفحة، وتصدر ضمن منشورات (كتاب الجيب)..
في (آثار) فيليب دوليرم..شاعرية عذبة في عناصر التكنولوجيا الجامدة..
نشر في: 20 يناير, 2012: 06:41 م