صبيح الحافظمن المؤسف أن نقرأ ونسمع أن أكثر مؤسسات الدولة أصبحت مقاطعات لعوائل المسؤولين وأقربائهم وأبناء عمومتهم وأبنائهم، إذ أن كل من يتولى مسؤولية في موقع معين يقوم بتعيين أقاربه وأتباعه خارج الضوابط والسياقات المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية، ويتجاوز على التعليمات والضوابط التي توجب إجراء امتحان الكفاءة للمتنافسين من المواطنين.
إن هذه التجاوزات وغيرها أدت إلى حرمان شريحة كبيرة من مستحقي تلك التعيينات، وأن استمرار هذا النهج في تعيين الموظفين في دوائر الدولة يعتبر فساداً إدارياً متعمداً ومخالفاً لمبدأ العدل والمساواة بين الموظفين.قال احد المسؤولين إن كثرة الموظفين من أقارب المسؤولين وأتباعهم في الوزارات مؤشر خطير على غياب أداء العمل الإداري الجيد والمنتج، وأن الافتقار للكفاءة والمهنية والتدرج الوظيفي في التعيينات يؤثر تأثيراً (سيئاً) في اتخاذ القرار الصائب، ولهذا نرى وجوب إصلاح هذا الوضع، واعتماد الكفاءة والمهنية والنزاهة والوطنية،ويقع هذا الإصلاح على عاتق البرلمان وذلك لبناء نموذج إداري صحيح، كذلك ضرورة إبعاد حاشية المسؤول عن مصادر القرار بهدف جعل المؤسسات الحكومية تعمل بشكل نزيه وشفاف.لقد بلغت الجراءة بأحد المسؤولين الكبار بأن يعيّن ثلاثة من أبنائه في المؤسسة التي يديرها، وقام هؤلاء بتسلم رواتبهم وهم خارج العراق، هذا ما ذكرته إحدى البرلمانيات بهذا الخصوص.علماً أن رئيس هيئة النزاهة صرح في وقت سابق أن القانون الجديد للهيئة الذي تتم مناقشته حالياً في البرلمان العراقي ينص بشكل واضح على معاقبة المسؤولين الذين يقومون بتعيين أقاربهم في مؤسسات الدولة، وإضافة إلى أن الدستور منع ذلك بشكل واضح وأوجب أن يكون التعيين في المؤسسات الحكومية على أسس الكفاءة والمهنية والشروط التنافسية الأخرى.ونحن بدورنا نعتقد أن معالجة هذه المشكلة لجعل التعيين بين المواطنين ومساواتهم هو إعادة تشكيل مجلس الخدمة العامة الذي كان معمولاً به خلال الستينات في القرن الماضي لتعيين الموظفين في كافة الوزارات وفق أسس عادلة تتصف بالمساواة بين المواطنين وذلك عند طلب الوزارات من المجلس المذكور الدرجات الوظيفية التي تحتاجها وفق شروط الوظيفة ومواصفاتها، ويقوم مجلس الخدمة العامة بالإعلان عن الدرجات الشاغرة للوزارات في الصحف المحلية ووسائل الإعلام الأخرى ومن ثم يقوم المجلس المذكور بإجراء امتحان مقابلة المواطنين الذين تقدموا للتعيين، ثم يعين أسماء الناجحين المؤهلين لإشغال تلك الوظائف حسب مواصفاتها.إن إجراء الامتحان التنافسي الشريف بين المتقدمين هو الأساس لاختيار الموظفين لإشغال تلك الوظائف، وهذا الإجراء والآلية المتبعة هو في منتهى العدل والمساواة بين المواطنين، أيضا نعتقد وجوب إصدار قانون يتضمن حجب صلاحيات التعيين في داخل الوزارة أو المؤسسات الأخرى، وأن أي تعيين خلاف ذلك يعتبر تجاوزاً على القانون والتعليمات واعتبار ذلك ملغياً ويحاسب المسؤول صاحب قرار التعيين.وعوداً على بدء يقول المفكر الفرنسي ألكسيس دونوكفيل مؤلف كتاب (الديمقراطية ) إن تقدم الأمم والشعوب وغرس القيم النبيلة هو من نتاج اعتماد مبدأ العدل والمساواة والانفتاح على الآخر.وفي عصرنا الحاضر نجد أن معظم دول العالم أخذت بهذه المبادئ بكل الأحوال الاجتماعية وبالأخص المساواة في تسنم الوظائف العامة، وأخيرا ندعو القادة المسؤولين عن إدارة الدولة لإشغال الوظائف العامة يجب أن يعتمد التعيين على الكفاءة والمهنية والمؤهلات العلمية الأخرى مع إعادة النظر بصيغة تعيين الأقارب والأتباع.إن بناء الدولة بناءً صحيحاً هو تبني المثل والقيم النبيلة ووفق أسس العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، كذلك يجب نبذ التمييز بين المواطنين، وأن يكون قانون الخدمة المدنية هو الضامن لهذا المواطن فإذا لم يحدث ذلك فلنقرأ السلام على الدولة العراقية.
مجلس الخدمة وتعيين الموظفين
نشر في: 20 يناير, 2012: 07:51 م