فريدة النقاشقال الدكتور «عماد جاد» الباحث في العلوم السياسية وعضو مجلس الشعب إن القوى الليبرالية واليسارية تؤيد وثيقة الأزهر التي تنص على احترام الحريات العامة كما جاءت بها المواثيق الدولية، وأن هذه الوثيقة المرشدة لكتابة الدستور تلبي الحد الأدنى من مطالب القوى السياسية والاجتماعية المختلفة ومن الضروري أن يتوافق الجميع على احترامها والاعتداد بها كأساس لكتابة الدستور وللتوافق الوطني العام.
وما يؤكد فكرة «عماد جاد» أن أطرافا رئيسية في الحياة الدينية والسياسية والفكرية حضرت الاجتماع المطول الذي انبثقت عنه الوثيقة، وحذرنا «عماد» من أن نقول نحن موافقين ولكن.ولكنني أستأذنه في أن أضع لكن كبيرة لا تخص الوثيقة مباشرة، وإنما تخص بعض القوى التي شاركت في وضعها بينما لا تنبئ ممارستها العملية عن الالتزام بها، والسلفيون هنا نموذج صارخ، فبينما تنص الوثيقة على احترام حرية الفكر والتعبير بما يعني حرية الإبداع الأدبي والفني نقرأ تصريحا مخيفا لأحد قادة السلفية يصف فيه أدب «نجيب محفوظ» بأنه دعارة، وحين عبر قراء «نجيب محفوظ» ومحبوه عن انزعاجهم من هذا التصريح رد سلفيون آخرون قائلين إنها وجهات نظر، ونحن لا ننسى في هذا السياق أن تصريحات لشيوخ مسلمين حول «كفر» «نجيب محفوظ» لأنه كتب «أولاد حارتنا» أدت بمتطرف لا يقرأ ولا يكتب ولا أعرف إن كان سلفيا أم لا إلى محاولة اغتيال نجيب محفوظ حين غرز السكين في عنقه، ونجا الكاتب الكبير من الموت بالمصادفة البحتة.ورغم أن السلفيين أنكروا علاقتهم بنشأة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن ممارسات أتباعهم في بعض مواقع العمل التي تعمل بها نساء تقول بغير ذلك كما هو الحال في فرع مجلس الدولة بالمنوفية حيث قرر موظف فصل النساء عن الرجال عنوة بعد أن رفض دخول الموظفات إلى المبنى الجديد وطلب إليهن أن يبقين في المبنى القديم ولو دون عمل، صحيح أن النساء لم يستسلمن وتحلين بالشجاعة وتظاهرن محتجات لأنهن جماعة، فما بالنا بالأفراد من النساء أو الرجال الذين قد ينزل عليهم «سوط» رجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم وحدهم دون حماية، وهو ما حدث بالفعل حين استوقف سلفيون سائق ميكروباص وأرغموه على أن يعزل النساء عن الرجال حتى يسمح له بمواصلة السير وهناك مئات الوقائع التي تدلل على اتساع الفجوة بين موافقة بعض شيوخ السلفيين الكبار على وثيقة الأزهر، والممارسة الواقعية لأنصارهم في الشوارع والمؤسسات العامة.ومنذ أسابيع قليلة كانت دعاية السلفيين الانتخابية تمتنع عن وضع صور النساء المرشحات على المطبوعات الدعائية وإمعانا في إذلال النساء وضعوا وردة مكان الصورة لتتأكد الفكرة القائلة إن المرأة كائن هش وضعيف، وإن كانوا يقولون إن هذا تكريم لها، تماما مثلما هو تكريمهم للنساء بفرض النقاب عليهن، وهم مازالوا ينشرون هذه الأفكار والممارسات عبر آلاف الجوامع والزوايا التي يتحكمون فيها وقيل إن عددها يتجاوز الثلاثة آلاف.وفي هذه الجوامع والزوايا يبث السلفيون خطابهم المرعب حول عذاب القبر وأهوال القيامة، ويحولون الإسلام على حد تعبير المفكر الإسلامي «جمال البنا» إلى لحية ونقاب وهو ما سماه «البنا» بالخرافات المقدسة رغم أن عقيدة المسلم - كما ذكرها الرسول - هي الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه والقدر واليوم الآخر نجد أن دهور التحلل وعهود الجهالة أضافت إلى ذلك عذاب القبر.وسرت هذه الخطابات «الجاهلة» كالنار في الهشيم لا فحسب في أوساط الفئات البسيطة التي تلقتها من السلفيين مع عطاياهم المادية السخية بل إنها وصلت لبعض أوساط المتعلمين في الجامعات والنوادي الشهيرة في ظل تدهور التعليم وتراجع العقل النقدي وقد وصفهم مفتي الجمهورية الدكتور «علي جمعة» بسبب هدمهم الأضرحة بأنهم «أصحاب فهم ضيق ويحدثون فتنة في المجتمع ويؤثرون سلبا في أمن البلاد والعباد».أظن والحال كذلك أن هناك أكثر من «لكن» ضرورية للتعامل بحذر - بل بشدة - مع هذه القوى التي تزداد الفجوة اتساعا بين خطابها الممالئ لوثيقة الأزهر وممارستها المعادية للحريات العامة.
لكنْ.. التي لا بدّ منها
نشر في: 22 يناير, 2012: 07:39 م