حازم مبيضينأسفرت الانتخابات النيابية عن فوز كاسح للتنظيمات الإسلامية بالأغلبية في البرلمانات, التي أتت نتيجة ثورات كاسحة في مصر وتونس وليبيا,وعملية إصلاحية عميقة في المغرب, وبات مؤكداً أن الإسلاميين هم من سيمسكون بزمام السلطة، ويبدو واضحاً أن لهم حظوظاً قوية في الوصول إلى مركز صنع القرار في دول أخرى تشهد تحولات جذرية وعميقة, وأدى ذلك بتلك التنظيمات التي شكلت تاريخياً عنصر قلق لدى الدول الغربية, إلى التفريق بذرائعية واضحة بين العمل الدعوي,
المعتمد على الشعارات الكبيرة, والفعل السياسي المجبر على التعاطي مع الواقع الراهن والعلاقات الإجبارية بين دول العالم, وهو ما فرض تحولاً واضحاً بخصوص العلاقة مع ( الغرب المسيحي وإسرائيل اليهودية ) وانتقل خطابها السياسي والإعلامي من العداء والتصادم إلي التوافق والبحث عن المصالح. معروف أن الأنظمة التي سقطت بفعل نسائم الربيع العربي, أو تلك المرشحة للسقوط, كانت تصور الإسلاميين كشياطين يجب على الغرب الحذر من التعامل معهم, لكن نتائج الانتخابات في تلك الدول فرضت على صناع السياسة الغربيين التعاطي مع تلك القوة الصاعدة, ليتحول خطابها السياسي إلى التنظير للتعاون مع الغرب، والظهور بمظهر من يقدر المسؤولية بالتأكيد على احترام الاتفاقات الدولية، وتلك بالتأكيد إشارة لا تحتمل تفسيراً آخر عن عدم رفض اتفاقية السلام مع إسرائيل، وبرزت في أدبيات تلك الأحزاب نغمة احترام حقوق الإنسان والأقليات، وضمان استمرار تدفق النفط إلى الأسواق الغربية، والتخلي عن العنف, وإذا كانت قضية السلام مع إسرائيل ليست موضوعاً رئيسياً ملحاً في دول المغرب العربي, فإنها قضية مركزية في مصر.رئيس حزب الحرية والعدالة, وهو الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين, الذي تحول مقره إلى مزار لكل مسؤول غربي يسعى للتعامل مع مصر ما بعد مبارك, حتى بدا بديلاً عن وزارة الخارجية, أكد بعد استقباله للسيناتور الأميركي جون كيري أن مصر تحترم الاتفاقيات والمواثيق التي تم توقيعها، وأمين عام الحزب أكد أن الإخوان المسلمين طمأنوا زوارهم الغربيين بشأن الاتفاقيات الدولية، واتفاقية السلام مع إسرائيل على وجه الخصوص، إضافةً إلى مواضيع تتعلق بحقوق المرأة والحريات العامة, ووضع المسيحيين الأقباط, وذلك كما قال لأنهم ليسوا مراهقين سياسياً، وهم يضعون مصالح مصر الوطنية في أولوياتهم ويعملون وفقاً لها, أما السلفيون وهم فصيل كان يعتبر الأكثر تشدداً فقد انتقلوا من المطالبة بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر, فقد جنحوا إلى اللين, حتى أن بعض قيادييهم أدلوا بأحاديث صحافية إلى وسائل إعلام إسرائيلية، وأعلنوا بأعلى الصوت عن احترامهم للاتفاقية مع الدولة العبرية.الإسلام السياسي ينظر اليوم لمواقفه الجديدة بالقول إن هناك فرقاً بين العمل السياسي والعمل الدعوي, لأن القائم بالعمل السياسي مسؤول عن شؤون ومصالح عموم الناس، ما يفرض عليه مراعاة مصالحهم، أما القائم بالعمل الدعوي فهو مسؤول عن نفسه, ويشيرون إلى أن إدارة أمور الدولة تقتضي الحوار مع كافة الجهات الخارجية والداخلية لتحقيق المصلحة العامة، ويشددون على أن الإسلاميين في مصر يدركون جيداً طبيعة مصر كدولة عريقة، لديها التزامات دولية ينبغي الوفاء بها, ويعني هذا بكل تأكيد أن انتقال الإسلاميين إلى مواقع الحكم, يفرض عليهم التخلي عن الخطاب الأخلاقي, لصالح السياسة التي ترضى بالعمل في أحط المواقع, والاقتناع بأن السياسات الخارجية للدول تبنى على أساس المصالح وليس الإيديولوجيات، وإذا كان الغرب استوعب جيداً دروس المرحلة الراهنة ومآلات ربيع العرب, فهل نتوقع من الإسلام السياسي بعد ترويضه, وتحت أي ذريعة ممكنة تقديم العون على إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط في صورة جديدة.
في الحدث: الإسـلام السـياسـي في موقع السلطة
نشر في: 22 يناير, 2012: 07:53 م