مازن الزيدي تفتخر الدول والأمم المتحضرة، حد التبجح أحيانا، بأنها "جماعات متنوعة" وانها مزيج من فسيفساء "موزائيكية" تزداد ابهارا كلما اضيف لهذه البانوراما المجتمعية لون مختلف وعنصر جديد. لذا نرى احتفاءهم المبالغ فيه يبلغ احيانا حد اعتبار النظم الديمقراطية صيغة لضمان حقوق الاقليات (المختلفة) اكثر منها صيغة لتنظيم حكم الاكثرية (المتجانسة).
بات في حكم البديهي ان المجتمعات الحديثة هي مجتمعات تعددية متنوعة تعتبر "الاختلاف" عنصرا جوهريا في تكوينها واستقرارها واستمرار نموها الصحيح. هنا لن اتحدث عن المغالاة في تقديس "كسر السائد" و "مشاكسة الواقع".ستتعجبون ايضا اذا ما حدثتكم عن "موضات الاديان" التي تتفنن المجتمعات الحديثة بصناعتها حسب الطلب، وآخر ما تناهى الى سمعي "ديانة الهكرز" تماشيا مع عصر المعلوماتية "الفيرجوال وويرد" او العالم الافتراضي الذي بات يشكل جمهوريات مليونية على شبكة التواصل الاجتماعي، فقد اقترب عدد مشتركي الفيسبوك، (500 مليون نسمة).لا شيء يمنع الاختلاف هناك سوى تهديد "حرية الاختلاف" عندها سيتحد الجميع لضمان "حق الاختلاف المقدس" بشكل متساو من دون تمييز بين مواطن وآخر. الاختلاف والتنوع احد سمات المجتمعات الحية، "اختلاف أمتي رحمة"؟بلداننا في المشرق الاسلامي والعربي ما زالت تتمسك بقيم ومفاهيم تعود للمجتمعات التقليدية التي تنظر بسلبية وتحفظ لكل ما و من يختلف عنها وفيها، وتقديسها انماطا "متصلبة" من سلوك وتفكير وسط عالم يمور ويموج بالمتغيرات في كل ثانية.. كم تتحمل مجتمعاتنا "صدمة" الاخر المختلف وما هو رد فعلها ازاء كل من يتجرأ على شق عصا الامة وتعكير صفو "يقينياتها" الموروثة؟هل جرب احدنا الحرج الشديد، احيانا يصل حد القمع والتصفية، الذي نتعرض له بمجرد تبنينا فعلا او رأيا مغايرا؟ بالتأكيد اننا واجهنا ذلك بل وقطعنا على انفسنا حتى التفكير بتكرار تلك التجربة، فنحن امة تعشق صورتها الثابتة واشد ما يخيفها تبدل الحال والمآل.لن استغرق بالتنظير الممل يا جماعة، هل جربتم ابقاء صوت المسجل مرتفعا عند نقاط السيطرة المنتشرة في الشوارع؟ هل فكر احدكم بعدم انزال زجاج سياراتكم في صيفنا اللاهب لكي لا يغضب رجل الامن الذي يواصل ماراثون التفتيش منذ بدء خليقة "العراق الجديد"؟. هذه امثلة بسيطة نتعرض لها يوميا لقمع ممنهج لا واعٍ لخياراتنا المختلفة في الحياة، طبعا لن أسألكم عن "اقتراف" جريمة الاختلاف فيما يعد موبقات اجتماعية.كيف يمكن تصور مجتمع يحارب "الخارجين" عن طوعه، ولا يسمح للانسان العادي بتبني سلوك او رأي مختلف.. تصوروا كم كان العالم بائسا لو استجاب مارتن لوثر لضغوط مجتمعه، او انصاع غاليلو لرأي الكنيسة وعاد لحظيرة الإيمان بـ"مركزية الارض".. كيف ستكون الالفية الثالثة لو لم يكن هناك مشاكسون مثل ستيف جوبز وبيل غيتس او حتى الفتى الشقي مارك زوغربيرغ!!اشخاص من امثالي لن يغامروا بالتعرض لـ "جلد المجتمع" وسيتحولون الى سلاحف بشرية تغطي رأسها عن الشعور بأي خطر داهم، فلست امتلك شجاعة "غولشيفته فراهاني" الصبية الفارسية التي احتقرت النظام الاجتماعي والسياسي القائم في بلدها الذي يعاني عمى ألوان مزمنا ومتفاقما.لم تمتلك الممثلة الايرانية سوى جسدها العاري لاعلان احتجاجها الصريح والواضح بوجه انظمة حكم ومجتمع لم توغل في العزلة ولا تتقن سوى اغلاق نوافذ التواصل مع العالم الحر المتعايش مع نفسه ومحيطه بسلام ومحبة.اثارت فرهاني الجدل ليس في بلدها وحسب بل في المنطقة، التي تغفو على وقع زلزال ربيع ثورات مستمر منذ عام بدأ من طهران صيف 2009 وما زال يقرع ابواب دمشق، لكنها نجحت في تسليط الضوء على شعب يتوق لحرية الاختلاف داخل المجتمع وخارجه..كم نمتلك مثل غولشفيته يا ترى؟
"نقطتين شارحة" :الاختلاف ومحنة صبية إيرانية
نشر في: 22 يناير, 2012: 10:05 م