وارد بدر السالمقبل وقت غير بعيد لم تكن الفضائيات العربية قادرة على الوصول الى المشاهد العربي بحرية كاملة بسبب قطريتها وأحاديتها الإعلامية وإمكاناتها الفنية المتواضعة التي لا تسمح لها أن تصل بالشكل التقني المطلوب.ولكن عندما تصاعدت وتيرة البث الفضائي وشيوع ما يسمى بمفهوم العولمة الغربي وانعكاساته القسرية على عالمنا العربي،
انتشر فيض الفضائيات العربية بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخنا الإعلامي ، قافزة على أسوار كثيرة ليس أقلها السور الاجتماعي العربي بدقائقه الصغيرة وخلفياته التاريخية والدينية التي نعرفها .قنوات الزواج التي اكتظت بها الأقمار الصناعية وسدّت مسامات الهواء على أنفاسنا تحظى برواج لافت للنظر وتتزاحم شاشاتها أمام الجميع في سباق محموم لجذب النسبة الأكبر من الشباب والمراهقين من كلا الجنسين وتقديم (عروض) مجانية لزيجات يعتورها الكثير من الميوعة والتساهل والهشاشة الأخلاقية ، إضافة الى الطرح المباشر لإنشاء علاقات (عاطفية) عبر الأثير! لكن ظاهر الأمر غير باطنه ؛ فمثلما كانت وما تزال الكثير من مواقع الإنترنيت تروّج لهذا النوع من العواطف المجانية وتنشئ أواصر عابرة بين الشباب والشابات عبر وسيلة التحادث المباشر والتخاطب الحر (الشات) ، فقد حذت بعض الفضائيات العربية حذوها إذ كسرت تقاليد الصمت المجتمعي العربي ووفرت (أيسر) السبل للنساء والرجال للتحكم بعلاقاتهم العاطفية والإنسانية تحت مسمى شرعي اسمه : الزواج .وهنا ينبغي التوقف عند " منتجات " هذه المنابر الفضائية التي تزداد سرعة وتسرعاً لدخول البيوت وإقامة تواصل غير مبرر أو شرعي إنسانياً معها، فأول ما تطرحه من مفاهيم غريبة هو المفهوم (السلعي) فالمرأة (سلعة للاستهلاك) كشأن السلع الكمالية المعروضة في المتاجر ، والمرأة (عرض دائم) على الشاشات بأوصافها غير الحقيقية بالتأكيد . والمرأة عليها أن تكون في عمر (شبابي) على طول الخط لتتلقى العروض الأكثر جاذبية ، ففتيات العشرينيات (سلع) ضرورية لإقبال أهل الشوارب والمتنعمين بالجاه والمال بعد اتفاقات (مبهمة) غير معلنة بين القناة وصاحبة الشأن من طالبات الزواج الوهمي ؛ فالشقراء لها سعر والخضراء لها سعر والسوداء لها مَن يطلبها لوجه الله !! خطورة هذه القنوات تتأتى من أنها تزرع منظومة تجهيل شاملة في الأسرة العربية وتسطّح العلاقات الاجتماعية والعاطفية الى حد القرف،هذا التسطيح والتجهيل لعواطف المرأة والرجل معاً يتغطى غالباً بغطاء الدين وهنا تكمن خطورة الشق الثاني من هذا النوع من الزواج الفضائي الذي يثير الشك ويبعث على الارتياب ، فهذا الغطاء يمنع الكثيرين من الجهر علناً أن الدين لا يسمح بأن تكون المرأة (فُرجة) فضائية حتى لو تكتمت باسم مستعار!هكذا انساقت بعض القنوات العراقية التي لا يُعرَف منشأها تماماً ، لتكون قنوات سلعية تلاحق المراهقات والمراهقين وتستنزف مصروفاتهم عبر التخاطب الحر الذي لا ينقطع ليل نهار ..هل نقول مبارك لهذه الحرية الفريدة من نوعها ؟عولمة الزواج بهذه الطرق الساذجة التي لا تهدف إلا للربح اليومي السريع تزرع نوعاً من الشك في نفوس الشباب وتقضي على العواطف النبيلة المتكونة في هذه الفئات العُمرية الغضة، وتضع أطواقاً عسيرة أمام الحياة الجميلة المعنية بالكشف والإكتشاف وخوض التجارب المعقدة وصولاً الى تشكيل الذات الإنسانية وفق خبرات حياتية مطلوبة في الأعمار كلها..............
فــــارزة: الزواج الفضائي في القنوات العراقية
نشر في: 4 أكتوبر, 2009: 07:32 م