عمـــــر الســــــراي لست مدافعاً عن أي شخص فيكفي ما قاله المسيح " من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بالحجر ". " لنحتكم للقضاء".. جملة جميلة ترددها على مرِّ الأزمان قوى واثقة من هيمنتها المفرطة.. منذ غاليلو الذي يحاكمه قانون الكنيسة الجائر.. حتى تمسكه بـ (لكنها تدور) لأن الأرض ما وقفتْ يوماً وما دارت حولها الشمس بل العكس.
وفي الحديث عن العراق.. البلد المتطور بقضائه على مرِّ الأزمان.. كيف لا وحمورابي كتب أولى الشرائع التي لا ندري هل طبقت بسلطة ثقافة البابليين وحبهم للعدل أم بقبضة حمورابي الحجرية آنذاك. ومع اعتزازنا ورغبتنا كمواطنين للاتجاه نحو القضاء.. فقط أود التنويه.. إلى أن مصر حين آمنت بربيعها العربي حافظت على أهم مؤسستين هما الجيش والقضاء.. لا لأن القوى الخارجية أرادت ذلك.. بل لأن القضاء المصري منذ عقود كان مع الحق وكان جريئاً بحيث لم يعطِ خرقاً في عمله وكان الظلم الذي يلحق بالناس من جراء التحريات التي يتوجب عليه الالتزام بها.. وفي العودة إلى الوراء قليلا.. والبحث في تاريخ أميركا نرى أن ديمقراطية الدولة التي نشأت بقوة صنعتها قاعدة مؤمنة بالتماسك واختارت مؤسسة القضاء حكما عليها منذ التأسيس حتى وصفت أميركا وللآن بأنها دولة القضاة السبعة.. حيث سلطتهم تفوق سلطة البيت الأبيض.. السؤال هنا: كيف للعراقي أن يطمئن للقضاء، والمؤسسة التي تنتج القضاة مازالت غير قادرة على نزع فتيل الخوف من قلوبهم.. ألم تمرّ على العراقيين محاكم مثل محكمة المهداوي وفيها رأوا أجواء الانفعال التي سحلت الجثث على الجثث رغم ظلم من طـُـبـِّـق فيه القانون.. وكيف يثق المواطن بالقضاء، ومحاكم النظام الديكتاتوري السابق التي كانت تحاكم وفق مزاجها ويوقع القضاة بشغف على قرارات الإعدام والاعتقال بضغط السلطة كما يوقع الموظف في سجل الحضور الصباحي.. وكأن صورة المحاكمة الصورية التي أجراها القوميون لعبد الكريم قاسم لم تـُـزل من الأذهان.. أليس (عواد البندر) رئيس محكمة الثورة من أوائل من حوكموا بقانون العراق الجديد؟أذكر ما جاء في قوله.. فقد طلب أن يعفى من الحكم لأنه قاضٍ وما جاء من أحكامه كان وفق قانونٍ سنـَّـه السياسي لا هو.. لكنه حوكم لأن قضاءنا العراقي رأى وقرر ذلك وهو صاحب البصيرة في ذلك.. وعندها سددت الضربة القاصمة للقضاء في زمن الطاغية.. فكيف لنا أن نحتكم لقضاة ٍ مزامنين ومجايلين؟! والحل كان بالاحتكام للمؤسسات الدولية لتدعيم قضائنا.. لكنه لم يكن يوائم نفسية المنتصر.وهنا سؤال ثانٍ: متى يتذكر العراقيون القضاء؟ أو بصورة أدق.. مَنْ من العراقيين يصرُّ على القضاء؟ دائما يطالعنا التاريخ.. بأن المستفيد لأقصى درجة هو المتجه نحو هذا المفصل.. لأنه ضمن النتائج.. وهل لنا أن نستند إلى القضاء العراقي ومازالت القوانين القمعية ملزمة؟! وكأن تسع سنوات من التغيير لم تكفِ لسنِّ غيرها.. بل أن المشرع العراقي أسهم في تقديم قوانين يكون قانون الطوارئ أقل وطأةً وأسهل منها.. فهي تدين حتى الضحية! وهو ما علينا مناقشته بقوة.. قرارات مجلس قيادة الثورة مازالت نافذة.. ومازال القاضي العراقي الذي يهدد بعائلته وأهله وراتبه فريسة لحامل السلاح.. والقضاء العراقي لا يمتلك الأدوات الكافية لعمله.. وأولها أن لا يمتدح بصورة كبيرة فيشعر المواطن بالشك وهو ما بات واضحاً من قبل سياسيين في الآونة الأخيرة.كلنا نخشى على القضاء من السياسة.. إلا أن السياسة تخشى من بعضها البعض بسبب عدم سيطرتها التامة على القضاء؛ وذلك لم يمنع أي سياسي عراقي بأن يضرب بالعصا التي ضرب بها سابقاً خصوصا ونحن ما زلنا فريسة لصوت الناطق باسم مجلس قيادة الثورة المنحل حين يصرخ بـ (قرّرنا ما هو آت).
قرّرنــا ما هــو آتٍ!
نشر في: 23 يناير, 2012: 07:57 م