حازم مبيضينبعد شهور عديدة من معاناة الشعب اليمني, جراء إقامته في ساحات الحرية والتغيير, وما رافق ذلك من قمع ممنهج, غادر العقيد اليمني علي عبد الله صالح مشيعاً باللعنات إلى الولايات المتحدة, طالباً العفو والمسامحة من مواطنيه, وكأن مغادرته أتت فقط لحاجته للعلاج, ولم تكن نتيجة ضغط متواصل مارسه شعبه, لوضع حد لسنوات حكمه الجائر والعاثر والمتخبط, ولم ينس الاستمرار في ألاعيبه الساذجة, فيعلن أنه سيعود إلى صنعاء رئيسا للحزب الكرتوني الذي يترأسه,
والذي لم يكن بمقدوره الحفاظ على سلطته, وكل ما فعله أنه ضمن من خلال عدة مناورات بذيئة اعتادها طوال 33 سنة من عمر حكم صالح, أن ينتزع من الحكومة والبرلمان قراراً بعدم ملاحقته قضائياً عما ارتكبه من جرائم وخطايا بحق شعبه , وكأي قائد محترم يحظى بالقبول طالب العقيد اليمنيين بالتغاضي عما حدث والاهتمام بالجرحى والشهداء, الذين سقط معظمهم برصاص حرسه الجمهوري.معروف طبعاً أن صالح سيكون ضيفاً ثقيلاً على واشنطن, التي ستواجه اتهامات بإيواء حاكم مسؤول عن قتل المئات من المتظاهرين, ما يبدو تناقضا مباشرا مع سعيها لتعزيز حقوق الإنسان, ولذلك بادر أكثر من مسؤول أميركي للتأكيد بأن السبب الوحيد الذي سيسمح بمقتضاه لصالح بالدخول إلى الولايات المتحدة, هو لتلقي العلاج الطبي المشروع من الإصابات التي لحقت به, خلال هجوم تعرض له في حزيران الماضي, في حين يؤشر البعض إلى أن الخطوة الأميركية تستهدف تعظيم فرص انتقال السلطة إلى مرحلة انتقالية, تعقبها انتخابات في الشهر المقبل, وينتظر أن يواجه صالح شروطاً أميركيةً مشددة, تمنعه من القيام بأي نشاط سياسي أو إعلامي, وهو الذي لم يستوعب بعد فكرة الخروج النهائي من السلطة، ولذلك يترك البلاد نهباً للمزيد من المشاكل التي زرع بذورها, وأوكل لأزلامه الذين احتفظوا بمواقعهم مهمة رعايتها, ليقنع اليمنيين بأنه كان أحسن الموجود.ترك العقيد اليمن متأرجحاً بين رغبة الجنوبيين في استعادة دولتهم, بعد أن مسخ فكرة الوحدة وحولها إلى إلحاق ذيلي, وبين حراك الحوثيين في الشمال, وارتباط هؤلاء بأجندات خارجية تثير صراعاً مذهبياً, وبين تنظيم القاعدة الإرهابي الساعي لنقل قيادته الرئيسية إلى المنطقة, إضافةً إلى بؤر التوتر في كثير من المناطق ذات التركيبة القبلية، وبما سيؤدي من وجهة نظره إلى إعاقة الجهود في توفير الاستقرار والتنمية وإعادة اللحمة بين أبناء اليمن, وبما يعني في آخر الأمر الانتقام من معارضيه, الذين انتفضوا ضد نظام حكمه, وأجهضوا حلمه في التمسك بالكرسي حتى نهاية حياته, وتوريث الحكم لأبنائه, إضافة إلى أنه لا يريد لمن يأتي بعده أن يتمكن من إحداث نقلة في حياة اليمنيين, تجعلهم يشعرون بمأساوية الوضع الذي كانوا يعيشونه, ولعل ذلك هو مايفرض على حكام اليمن الجدد, المسارعة إلى توحيد الجيش والأمن تحت قيادة وطنية، بعيداً عن السيطرة العائلية، إضافة إلى وضع ترتيبات عملية للمصالحة الوطنية, وتخليص البلاد من المخاوف القائمة, سواء ما يتعلق بمطالب الجنوبيين أوإقناع الحوثيين بالتخلي عن فرض سيطرتهم بالقوة, والاتجاه نحو العمل السياسي، وقبل هذا كله إنجاح الانتخابات الرئاسية ليستكمل هادي شرعيته كرئيس للبلاد, وتخليص الشعب من أزمات الكهرباء والوقود وتوفير الأمن للناس ليشعر الشباب في الساحات أنه فعلاً حصل تغيير إيجابي. أخطر ما يواجه اليمنيين اليوم هو تنظيم القاعدة الذي لم يواجههه صالح كما ينبغي, وإنما استخدم التخويف منه كوسيلة لاستجداء الدعم الأميركي، قبل أن تكتشف واشنطن لعبته فتعلن أن الحرب على القاعدة ليست مرتبطةً بأشخاص, وهي تحتاج حسمًا أكيدًا في مواجهتها، بينما مواقف صالح تجاه القاعدة كانت متباينة, وتثبت بعض التقارير الأخيرة, أن تسهيلاتٍ كثيرة حصل عليها هذا التنظيم الإرهابي خلال الأشهر الماضية, كما بات واضحاً أن صالح كان يستخدم القاعدة، لتعزيز قوة نفوذه وكان يسايسها بمكرٍ سياسي، أكثر من مكافحته لها أمنياً, وكان يدرك عدم جدوى توجيه ضربات قاصمة لها, لأن ذلك سيقلل من أهمية نظامه الإستراتيجية, والواضح اليوم أن حركة القاعدة في جنوب اليمن تشكل كارثة, وهي لن تكتفي بإعلان إمارةٍ إسلامية، لكنها ستسعى للتمدد مؤسسةً لمعسكرات تدريب، تتحول بعدها إلى خنجر يضرب خاصرة الخليج.
في الحدث: غادر وتركها للقاعدة
نشر في: 23 يناير, 2012: 09:25 م