بغداد / المدىعلى الرغم من تعدد وتفاقم المشاكل التي يعانيها العراقيون في مختلف القطاعات والمستويات، يأتي افتقار البنى التحتية إلى وسائل امتصاص الضوضاء أو التخفيف منها على الأقل لتضيف هما آخر له آثار نفسية. المعلم المتقاعد حسين العتابي (50 سنة) بالرغم من انه يرقد في مستشفى الكرامة في بغداد بعد تعرضه إلى حادث على الطريق جنوب بغداد، إلا أن أصوات السيارات، والانفجارات في بعض الأحيان، تحول دون تمتعه بالراحة.
ويحدث الأمر نفسه للمدرّسة سوسن الطائي (38 سنة) التي تشتكي من أصوات أبواق السيارات ومحركاتها، إضافة إلى أصوات مختلفة تصدر من فعاليات يومية، ليحول ذلك دون إعطائها درسا مثاليا للتلاميذ.وتمثل الضوضاء في العراق أحد مصادر التلوث، التي تؤثر في انجاز الكثير من الفعاليات اليومية التي تتطلب التركيز، أو الراحة والخلود إلى النوم لاسيما بالنسبة إلى المرضى.rnبيئة سمع ملوّثةوتقول الطائي في حديث لوكالة "إيلاف" الإخبارية، إنها تلقي الدرس وكأنها في الشارع، بسبب انعدام العوازل التي تمنع نفاذ الأصوات، "يضاف إلى ذلك إن الأبواب والشبابيك ليست محكمة، بل تحتوي على زجاج مكسر في الكثير من الحالات، وهو ما يؤثر في جودة الدرس وقدرة التلاميذ على التركيز". وتمثل الانفجارات التي تحدث في العراق بين الفينة والأخرى مصدرا لبيئة سمعية ملوثة تؤثر في حاسة السمع والمزاج النفسي والأداء اليومي للأفراد.ويعرّف مدرس الفيزياء محمد كريم الضوضاء بأنها "عبارة عن أصوات غير مرغوبة وتحتوي على طاقة تؤثر في القدرة على تمييز الأصوات لأنها تسبب الضرر في الأجهزة السمعية للكائنات الحية". وبحسب كريم فإن مستويات الضوضاء المقبولة تنحصر بين 80 و90 ديسيبل كحد أقصى أثناء فترة العمل لمدة لا تزيد على 8 ساعات يومياً، والديسيبل هي وحدة قياس شدة الصوت. ويشير إلى أن العديد من الناس لا يدركون الخطورة الناجمة عن الضوضاء، وينصب اهتمامهم على الأمراض ذات الظواهر المادية، في حين إن التأثير النفسي وحتى العضوي للضوضاء يكون على الدوام ابلغ تأثيرا وأكثر ضررا من الأمراض العضوية المتداولة. وبالفعل فقد أصيب الفتى نمير أحمد بمرض نفسي، حيث تغير مزاجه، وانعكس ذلك على سلوكه اليومي بعد أن كان بالصدفة قرب انفجار لعبوة ناسفة، لم تصبه في جسده لكنها أصابته في نفسيته، وأثرت في جهازه العصبي. يقول والد نمير: "لم يعد الفتى ذلك الذي نعرفه بعد أن أتلف دوي انفجار هائل أعصابه، فصار يخاف من كل شيء وتنتابه نوبات من الصرع والخوف حتى أثناء نومه".الأمراض النفسية والعصبيةوتعدّ الضوضاء البيئية أحد العوامل التي تسبب الكثير من الأمراض النفسية والعصبية والسمعية، ومن خلالها يفقد المرء الكثير من قدراته على التركيز والتحليل. ويقول مدرس علوم الأحياء سعيد حسين من جامعة بابل: إن عقودا من الضوضاء في العراق بسبب الحروب والانفجارت، تسببت في هجرة الحيوانات والطيور أيضا من بيئتها الحقيقية، أما الإنسان فقد تعرض إلى فقدان القدرة على العمل بكفاءة. ويعاني العديد من العراقيين أمراضا مثل شرود الذهن والخوف والقلق وعدم القدرة على التركيز بسبب معايشتهم سنين من الحروب التي تخللتها الأصوات المدوية القوية. وفي الأحياء الصناعية في المدن، فإن كثيرا من الناس لا يستطيعون تحمل الأصوات العالية الصادرة من المكائن والمحركات والسيارات لاسيما ان الصناعيين العراقيين لا يعبأون للأصوات الصادرة ولا يضعون عوازل تقلل من مستوى الضوضاء. ويقول كريم فرحان إن بيته يقع بالقرب من مولدة كهرباء أزيل غطاؤها الخامد للصوت، مما اضطره إلى رفع دعوى ضد صاحب المولدة لاسيما ان أطفاله يعانون كثيرا من الضوضاء الصادر. وفي ساعات انقطاع التيار الكهربائي (الوطنية)، فان اغلب البيوت تشغّل مولداتها المنزلية التي تصدر أصواتا عالية تؤثر في السمع والبصر والحالة النفسية للكبار والصغار على حد سواء. ويشير الخبير البيئي حميد حسن إلى أن بعض الأصوات القوية تقتل الحشرات والطيور، مضيفا "نعثر بعد دوي انفجار عبوة أو سيارة مفخخة على حشرات وطيور تموت بفعل الصدمة وليس بتأثير مباشر للانفجار".وتابع بالقول: إن الضوضاء تؤثر في التكاثر الحيواني فيقل إنتاج الدجاج من البيض، كما إن الأبقار والمواشي تعيش حالة من الحركة القلقة، مشيرا إلى أن الضوضاء تؤثر في نمو النباتات أيضا.ويرى حسن إن اغلب الأبنية في العراق غير معزولة بشكل كاف يحد من تأثير الضوضاء والأصوات الغريبة، لافتا إلى أن طلبة المدارس، ومرضى المستشفيات، وعمال المعامل، يتواجدون في بنايات غير معزولة جيدا، كما إن الكثير من مستشفيات العراق لا يتوفر فيها الشرط الأدنى للتقليل من الضوضاء.ضحايا الضوضاءوبحسب الطبيب على حسن فإن الكثير من ضحايا الضوضاء في العراق يعانون أمراضا نفسية تحدثها الأصوات المزعجة تسبب الإرهاق والمزاج المتقلب والإثارة السريعة وكثرة الشكوى والتأثيرات العصبية، وكل ذلك له تأثيرات سلبية على أداء الفرد في العمل والمدرسة والمعمل.ويضيف إن بعض المرضى الذين عالجهم فقدوا أسماعهم بسبب مصادفة قربهم من أصوات الانفجارات، مبينا إن أحد المرضى ويدعى أبو محمد أصيب بفقدان السمع المؤقت بسبب دويّ انفجار. ولفت إلى أن أصوات الضوضاء تزيد من ضغط الدم، وتؤثر في عمل القلب وتسبب الإعياء. ومن
الضوضاء.. همّ آخر يهدّد صحة العراقيين النفسية والجسدية

نشر في: 24 يناير, 2012: 08:02 م