تعتزم هيئة الإعلام والاتصالات تعليق بثّ محطات فضائية وإذاعية "بينها قناتا البغدادية والديار" لأسباب "أخلاقية".
يمرّ هذا الخبر من أمام أنوف إعلاميين ومتابعين عابراً من دون أن يلتفت إليه أحد، من دون أن يسأل أحد عن أهمية وجدوى هذه الهيئة من أساس، أو ما إذا كانت قد تحولت إلى هيئة رقابية فحسب، أو أنها ـ كما بشرنا مدير العلاقات والإعلام فيها الأخ مجاهد أبو الهيل ـ أصبحتْ هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شبيهة بشقيقتيها السعودية والإيرانية، فقد قال أبو الهيل إن "الهيئة تقوم برصد جميع الخروقات التي تقوم بها وسائل الإعلام المرخصة البالغ عددها 258 وسيلة إعلام منتشرة في بغداد والمحافظات من خلال الرقابة المستمرة عليها وتوجيه إنذار لها يلزمها بعدم تكرار المخالفات لاسيما أن غالبية الخروقات تمسّ الجانب الأخلاقي".
الهيئة حارسة الأخلاق إذن ! تذكرتُ الآن مقولة ينقلها زاهر الجيزاني "ربما عن باتاي" ملخّصها أن "الأخلاق كثيرة وتملأ كلّ شيء"، فمن الممكن جداً أن يكون أمر ما أخلاقيّاً لدى الأخ أبو الهيل وهيئة "المطاوعة" الجدد، هو غير أخلاقيّ بالمرّة لدى أناس آخرين، قد يكون تلميع صورة رئيس الوزراء في القنوات الرسمية، كما انحيازها الفاضح للحزب الحاكم أمراً غير أخلاقيّ لدى شريحة واسعة من الشعب، شخصياً أرى حديث القناة الرسمية المكرر والممل عن إنجازات "الحزب والثورة" غاية في الانحطاط الأخلاقيّ، لا بل أن الطائفية التي تُرى وتُسمع وتشمّ وتُمسّ في قناة الدولة الرسمية تمثل الضدّ التامّ للأخلاق كما يعرفها كلّ إنسان سويّ. مثل هذه القنوات هي التي يجب أن تغلق، وأن ينشّط الأخ أبو الهيل المجسات الأخلاقية لهيئته من أجل التقاطها، فليس انحطاط الأخلاق صورة عارية هنا، أو كلمة جريئة عن الجنس هناك، انحطاط الأخلاق قد تكون له هيئة رجل وقور ببدلة وربطة عنق ولحية بيضاء مشذبة لكنه في الحقيقة عبدُ مالٍ مكلّف بتجميل صورة الخراب، أو آخر يريد أن يفعل المستحيل ليؤبد إلهه الحاكم في كرسيه حتى لو اضطرّ أن يقلبها طائفية كما يفعل ولاة الأمر في القنوات الرسمية المباركة من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المسماة بهيئة الإعلام والاتصالات.
غريب أن يصدر تصريح كهذا من الأخ أبي الهيل، فهو شاعر ويمتلك من الخيال والعتاد اللغوي ما يجعله أقدر على التخلص من ورطة كهذه: أن يظهر كمحتسب أخلاقيّ، أو كأحد أعضاء هيئة دينية، ومن المعيب أن تصل سذاجة الهيئة وسطحيتها إلى هذا التدهور "الأخلاقيّ" !
نعرف أن الأمر لا علاقة له بالأخلاق إلا أن تكون الأخلاق أداة يستثمرها أصحاب السلطة للتضييق على قنواتٍ من أجل ابتزازها سياسياً لصالح طرف بات معروفاً.
وصلت حربهم إلى أرض الأخلاق، "سقطت" الأخلاق عسكرياً مذ باتت في مرمى مدافعهم الأخلاقية الثقيلة.