□ بغداد/ نوري صباح بعينين لا يبين سوادهما إلا من خلف أغشية من الدمع، وبصوت كسير فيه من المرارة بقدر ما فيه من غضب خفي،تصف بائعة القيمر في مسطر مدينة الصدر حيث وقع أحد تفجيرات الثلاثاء، اللحظات التي سبقت الانفجار،غير مصدقة ما حدث"كان صباحا عاديا،ماعدا أنه أقل برودة من صباحات الأيام القليلة الماضية،
بكّر العمال إلى مسطرهم يسترزقون الله كعادتهم وكنت قد بدأت لتوّي بالعمل، والشباب يتناولون إفطارهم هنا وهناك..." و ينسفح دمعها على وجه جنوبي لوّحته شموس الصيوف الماضيات، مضيفةً بحرقة"جاء شخص بحاجة إلى عمال، تجمّع الشباب حوله وهنا انفجرت سيارة كانت مركونة على جانب الطريق".أم عباس في منتصف عقدها السابع،"تبيع القيمر في هذا المسطر منذ(عصّاة موسى)"كما عبر أحد العمال وهو يتكئ على (كركه) ثم استرسل قائلا "أحد الذين استشهدوا وهو أبو محمد الصبيحاوي كان صديقي، طالما عملنا معا" وظل يستذكر مواقف له وقصصا مع الصبيحاوي، راثياً حال "عائلة الشهيد التي لا أدري كيف ستتدبر أمرها بعد هذه الكارثة" حسب قوله، ويعزو سلمان جبار -32 عاما- نجاته من الانفجار دون الإصابة بأي أذى إلى حمله "حجابا كان قد كتبه له أحد الشيوخ في المحلة" ثم يستدرك "الأعمار بيد الله من تسقط ورقته لا يمسكها إلا هو سبحانه".عندما حدث الانفجار سقط احمد ناصر جبر من مواليد 1974 على الأرض بقوة بعد أن دفعه العصف العنيف جداً ما أدى إلى إصابته بألم شديد في ظهره دون نزف أو دماء ونُقل إلى مستشفى الصدر العام في المدينة، وهو يستنكر بشدة عدم إيلائه الاهتمام اللازم من قبل الأطباء فـ"بمجرد أن عاينوني قالوا لي انه بإمكاني المغادرة"، ويسخر أبو علي وهذه كنيته من إعطائه "مسكنا للآلام وشريط حبوب آخر لا فائدة منه"حسب تعبيره.وقد تبين لـ (المدى) خلال جولتها في مسطر المدينة و المنطقة المحيطة بمحطة وقود الداخل أن عدد الذين سقطوا في هذا الانفجار، وحده، أكبر بكثير مما تردد عبر وسائل الإعلام، فقد ذكر كاظم عبد الله، 23 عاما ، عامل بناء، انه أحصى بنفسه "10 شهداء وضعفهم من الجرحى" على حد قوله، وقد كانت له علاقة طيبة مع أحد الجرحى الذي "فقد كلتا رجليه في الانفجار".في اليوم التالي للانفجار شوهدت ناقلات الوقود الصغيرة وهي تصطف قرب محطة الوقود في الجانب الآخر المقابل لموقف العمال بانتظار أن تُعبّأ بالنفط الأبيض من اجل توزيعه على المواطنين بـ(سعر الدولة) "الآنَ! وقد وصل الدم إلى الرُّكب في المسطر والمحطة" قال أحد العمال وهو يقف بعيداً، مشيراً بيده إلى المحطة والناقلات.وكان رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد قد اتهم مدير المنتجات النفطية علي الموسوي بعدم الالتزام بـ "اللوائح والتعليمات"والتأخر في"إرسال المشتقات النفطية الى المواطنين بأوقاتها المحددة ما اضطرهم للتجمهر أمام المحطة" مرجحاً"إقالته من منصبه". ويرى عبد الكريم الذرب،من جهة أخرى،أن"تقاعس المواطنين عن الإدلاء بمعلومات استخبارية للجهات المتخصصة،أدى الى تصاعد وتيرة التفجيرات".ويعلق جاسم حسين الذي يعمل في تبييض الجدران منذ أن كان في الثانية عشرة،على تصريح رئيس اللجنة الأمنية الآنف"هذا أشبه بقول (المبيّضجي)بعد ان يفسد الجدران الأربعة للغرفة وسقفها أيضا:ليس ذنبي انه ذنب صاحب الدار الذي لم يساعدني في العمل"،جاسم وكنيته أبو حرمان لم يفضل الكشف عن عمره الحقيقي لأنه بصدد التقدم لطلب يد فتاة في ربيعها الخامس عشر،برغم انه متزوج وله ولدان وبنت صغيرة"علي التعجيل بهذا الزواج قبل أن أذهب ضحية أحد التفجيرات" يقول أبو حرمان،مذكّراً بأحد"الطوّاسة"الذي فقد حياته في الانفجار صبيحة الثلاثاء وكان ينوي الزواج بعد "فرحة الزهراء لكن القدر لم يمهله"حسبَ أبو حرمان .مسؤول في المجلس البلدي في مدينة الصدر لم يرُق له ما أسماه "إلقاء التهم جزافاً"في إشارة الى رفضه تحميل مدير المنتجات النفطية مسؤولية تفجير المسطر والمحطة،ويرى أبو مؤمل وقد رفض الكشف عن اسمه الصريح أن "وزر ما حدث يتقاسمه الجميع بالتساوي".وفي مستشفى الصدر العام "القادسية سابقا" رفض الأطباء المتواجدون هناك، لأسباب غير معلومة، الإدلاء بأي تصريح حول عدد المصابين، لكن معاوناً طبياً كشف أن العدد يفوق بكثير ما أعلن عنه في الإحصاءات الرسمية" وأضاف الدكتور (هكذا يحب أن يُدعى) أن "معظم المصابين نقلوا إلى مستشفى الجملة العصبية بعد أن أجريت لهم العلاجات المتوفرة هنا وهي متواضعة بطبيعة الحال"، متابعاً أن "إصاباتهم كانت خطيرة جدا"، وظل يُبسمل ويُحوقل كثيرا قبل أن يقول "رأيت احدهم وهو متفحم تماما، قُطعت أطرافه السفلى وتلاشت عيناه بالكامل وكان لم يزل يتنفس". حاكم الزاملي وعبر حديث هاتفي مع المدى مساء الثلاث
عمـال المساطـر بـين قدَريـن: النـقّـالـة والـعـمّـالـة

نشر في: 27 يناير, 2012: 10:25 م









