TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > هل أفل نجم العلمانية؟

هل أفل نجم العلمانية؟

نشر في: 27 يناير, 2012: 10:47 م

طارق الجبوري هل أفل نجم العلمانية حقاً كما يروج البعض؟ ولماذا؟ ومن الذي يتحمل مسؤولية ذلك؟  وما هي طبيعة الأنظمة التي تحكمت بمصائر الملايين من الناس طيلة عهود خلت بعد انهيار الدولة العثمانية؟ وهل شهد محيطنا العربي حقاً نظاماً علمانياً حتى الآن لكي يتحمل وزر مشكلاتنا الراهنة التي نعيشها تائهين؟  وكيف يمكن أن نزاوج بين العلمانية كمفهوم لبناء دولة معاصرة وبين الدين كقيم وممارسات لا غنى عنها لأي مجتمع؟
بداية لابد من الإقرار بأن كل تساؤل يحتاج إلى بحوث مطولة ليس من مهمة صحيفة يومية ، ولكن حسبنا كما دأبنا في مقالات سابقة أن نفتح الأبواب على موضوع يتوهم البعض إمكانية تجاوزه والتغاضي عن دوره في الحياة ونقصد به ضرورات التيار العلماني في عملية الانطلاق نحو بناء دولة المؤسسات ، وتأكيد  حقيقة ما تعنيه العلمانية وعدم تناقضها مع الدين .ولابد هنا من المرور على ما أفرزته نتائج الانتخابات التي جرت في مصر وتونس قبلها بعد ثورات ما سمي بالربيع العربي وفوز التيارات الإسلامية  فيها، ومن المتوقع أن تكون  النتائج مشابهة في ليبيا وربما في اليمن رغم اختلاف في التركيبة الاجتماعية عما هي عليه     ما في هذين البلدين منفي مصر وتونس .وفي كل الأحوال فقد أعادت حصيلة النتائج المتحققة إلى السطح مجموعة من التساؤلات عن أسباب الإخفاقات التي مني بها التيار العلماني في مجمل المحيط العربي وانحسار دوره في التأثير على المشهد السياسي والاحداث الكبيرة التي مرت بها المنطقة ، بعد أن كان هو المحرك والعامل الرئيس لها وتصاعد دوره وهيمنته شبه المطلقة خاصة في أربعينات وخمسينات القرن الماضي فكان يكفي بيان من أي حزب شيوعي أو قومي أن يشعل النيران في أي بلد ويثير حمية الجماهير من قواعده . وإذا كان من التجني على هذا التيار ادعاء البعض حمل رايته والتبشير بمفاهيمه طيلة الحقب الماضية ، فإن الأمانة العلمية تقتضي التأكيد على أن مجتمعنا العربي في حقيقة الأمر ، لم يشهد حركة علمانية بالمعنى الصحيح لهذا المفهوم الذي تعرض للكثير من التشويه من قبل أدعياء الدين وأدعياء الانتماء إليه في آن معاً ، حيث إن واقع  الأحزاب التي تبنت النظرية العلمية  ومنها الشيوعية على وجه الخصوص بقيت في كثير من مواقعها أسيرة  الواقع المتخلف يحكمها هاجس الخوف والتردد في توضيح طبيعة نهجها العلماني إلى الجمهور الواسع وانخداعه بالدعايات التي كان يروجها اليمين بمختلف أشكاله ضده وادعاء معاداة العلمانية للدين والأخلاق . وقد يتذكر بعض من عاش مرحلتنا عددا من التهم التي وجهت للعلمانية ومنها إن الشيوعيين ملحدون ولا يمانعون في ارتكاب المحارم ويعبئون عقول الناس بقصص مصطنعة ومفبركة عن ممارسة هؤلاء العلاقات الجنسية مع أمهاتهم وأخواتهم !! مستشهدين بمواقف الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي ومجتزئين جملاً من كتابات ماركس ولينين ومفكرين ماركسيين آخرين . في تلك الفترة التي كان  الشارع مستعدا لتلقي الأفكار الجديدة خاصة في أوساط الشباب ، لم ينجح العلمانيون على قلتهم والممثلون في نخب ثقافية محدودة ، في استثمار تلك الظروف المواتية لخلق نواة قاعدة تؤسس لانتشار مثل هذه الثقافة وجوهرها الداعي إلى فصل الدين عن الدولة ، وظلت مؤلفاتهم محصورة في تناول جوانب بعيدة عن معاناة وهموم الشارع الحقيقي . فالشيوعيون في الغالب لم يوازنوا في كثير من برامجهم وكتبهم الثقافية بين الواقع الذي يعيشه المواطن في البلدان العربية وبين الترويج للنظرية الاشتراكية العلمية ، إلا في ما ندر وربما لانغالي إذا قلنا إن أشعار مظفر النواب و برامج أبو كاطع التي كان بطلها شمران الياسري بقيت عالقة في أذهان الكثير، ونفس الشيء ينطبق بهذا الشكل أو ذاك على كتابات وبرامج مماثلة في دول أخرى ، وما يثير الأسى أكثر إن جل اهتمامات الحركات التي ادعت انتسابها للعلمانية بهذا الشكل أو ذاك وتسلمت مقاليد السلطة صبت جام غضبها وسخرت إمكاناتها لقمع أي توجه أو مظهر أو برنامج  يقترب فعلاً من تغيير المجتمع نحو العلمانية ، وبذا تحمل التيار العلماني كل سوءات الأنظمة الاستبدادية وقمعها ، دون أن يتمكن من أن يضع مسافات تفصله عن تلك الأنظمة التي أضاعت فرص التقدم في المجتمع واللحاق أو الاقتراب حتى من مظاهر النهوض التي يعيشها العالم .ليس عيباً أن نعترف بأخطائنا ومسؤولية بعضنا في  إطالة عمر بعض هذه الأنظمة الاستبدادية وتسببنا في  تشويه العلمانية ، وعلينا التبرؤ من أعمالنا التي أضفت بهذا الشكل أو ذاك نوعا من الشرعية عليها ، وعلينا أن نقر بأننا لم نكن في يوم علمانيين ولم نقترب حتى من هذا المفهوم ، فجميع تصرفاتنا وبر امجنا تفضح جهلنا وابتعادنا عن استخدام العقل في معالجة مشاكلنا ، وهو روح العلمانية وجوهرها  . ورغم أن البعض يروج لانتهاء هذا التيار بشكل نهائي ، غير أن تجارب من سبقنا في هذا المجال تؤكد إن الوقت ما زال متاحاً للعلمانية والتيارات الدينية الإسلامية وغيرها من الاعتبار من دروس الماضي وفهم حقيقة استحالة بناء دولة مؤسسات حقيقية دون العمل على خلق حالة توازن تتيح لكل تيار الإسهام بما هو متاح بإعادة بناء ما خربته الصراعات والتشرذمات وترسيخ قيم ديمقراطية حقيقية تسهم في&n

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram