أ.د.قاسم حسين صالح رئيس الجمعية النفسية العراقية توطئة يعدّ العراق في السبعينات وما قبلها من بين الدول الأقل نسبة في تعاطي المخدرات. وبنشوب الحرب العراقية الإيرانية بدأت المخدرات تدخل العراق، وأخذت تزداد بعد أن توافرت كل الأسباب: النفسية والأسرية والاقتصادية والإعلامية.بل إنها بدأت تزرع في العراق
فتقارير الاستخبارات الأمريكية تشير إلى أن انقطاع التمويل المالي عن الجماعات الإرهابية أدى إلى توجه هذه الجماعات إلى زراعة أشهر نبتة مخدرات(الداتواره) في مناطق من محافظة ديالى.وتضيف بأن الهيروين والمايجوانا بدآ يدخلان العراق عبر الحدود المشتركة مع إيران على يد عصابات اتجار غير مشروع تنشط في أواسط آسيا،ما اضطر الحكومة العراقية لاستيراد كلاب مدربة وأجهزة كشف عن المخدرات المركبة أدى إلى الاستيلاء على كميات كبيرة من المواد المخدرة وتدمير أنواع مختلفة منها.وما يزيد من تعاطي المخدرات في العراق انه يشكل ممرا رئيسا لخطوط نقل المخدرات العالمية عبر أفغانستان وإيران لاسيما بعد ما حصل من فوضى وانفلات امني عقب التغيير هيأ فرصة نادرة لمافيا العصابات الدولية بتحويل طريق الحرير القادم من آسيا عبر العراق ممرا للمتاجرة بالمخدرات ومحطة عبور نحو دول الخليج وأخرى إقليمية.وتشير الإحصاءات الصادرة عن جهات رسمية إلى زيادة عدد المتعاطين للمخدرات والمدمنين عليها، بل إن مدنا عراقية تعد محافظة وذات طابع ديني مثل (كربلاء) جاءت بمقدمة المحافظات العراقية في نسبة المتعاطين للمخدرات.ومع أهمية المخاطر الاجتماعية والاقتصادية لتعاطي المخدرات، لكن أوجعها أنها تؤدي إلى موت تدريجي أو مفاجئ، وأبشعها أنها تضطر المتعاطي لارتكاب جرائم السرقة والقتل، وأقبحها أنها تدفع بعض المتعاطين والمدمنين إلى الخيانة الزوجية، وممارسة البغاء والدعارة والقوادة، وإكراه محارمه على الزنى..بل والزنى بالمحارم!في هذه الورقة سنتعرف أيضا على التفسيرات النظرية المختلفة لتعاطي المخدرات، وخصائص المتعاطين لها، وما إذا كان لها علاقة بالتحضر وزيادة إنتاج النفط!.مشكلـــة الدراســــةحظيت ظاهرة تعاطي المخدرات باهتمام كبير في العقدين الأخيرين من قبل علماء النفس والاجتماع والقانون وصنّاع السياسة، لما تحدثه المخدرات من تحلل للقيم وتدمير للأخلاق، ولأن انتشارها بين سكان شعب ما يؤدي ليس فقط إلى الإضرار بالصحة الجسدية والنفسية للمتعاطين لها، بل إنها تؤخر أو تعرقل منجزات الدولة وخططها التنموية وتضعف أمنها الداخلي والخارجي أيضا حين توظّف المافيا الدولية للمخدرات في قضايا سياسية تكون الدولة منشغلة عنها بقضايا تعدها أخطر مثل الإرهاب كما هو الحال في العراق.ولقد جاء في الأسباب الموجبة لإصدار قانون جديد في العراق بعنوان (قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لعام 2011) بأن قانون المخدرات رقم 68 لسنة 1968 مضى عليه مدة طويلة "واقتضى الأمر تحديثه من أجل مواكبة أحكام المعاهدات الدولية ذات العلاقة بالمخدرات،ولمواجهة تغلغل الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية على نحو مطرد..ولقمع نشاطات إجرامية تعمل على تضليل بعض فئات الشعب وتشجيعهم على تعاطي تلك المواد التي تشكل تهديدا خطيرا لصحة البشر ورفاهيتهم وتلحق الضرر بالأسس الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية في المجتمع.."والأخطر، إن النمو المضطرد لتعاطي المخدرات يؤدي إلى تفكيك الروابط القائمة بين الفرد والمجتمع، وتراجع سلطة المعايير الأخلاقية التي تعدّ نماذج موجّهة للسلوك، وزيادة حالات الانحرافات السلوكية بين المراهقين والشباب بشكل خاص.والذي لا ينتبه إليه كثيرون إن الأسباب التي تدفع إلى تعاطي المخدرات أصبحت متوافرة في العراق بشكل مثالي!. فالدراسات تشير إلى أن الفرد يلجأ لتعاطي المخدرات في الحالات الآتية:• موت احد أفراد الأسرة، أو شخص عزيز عليه فيلجأ لها لنسيان الأزمة.ولا يوجد ناس في أي مجتمع بالعالم فقدوا آباءهم أو أحبتهم في انفجارات إرهابيه واحتراب طائفي كالذي حصل في العراق، فضلا عن حالات التهجير والهجرة خارج الوطن. • انهيارات اجتماعية كبيرة وخطيرة: تفكك أسري،طلاق،وما يقرب من ثلاثة ملايين يتيم بين أطفال ومراهقين وشباب فقدوا آباءهم في الحروب، وعدد مماثل من الأرامل. • عدم الرضا عن الحياة والقلق من المستقبل وكثرة البطالة التي زادت نسبتها بين الشباب بشكل خاص.• وجود أجانب يتعاطون أو يتاجرون بالمواد المخدرة.• توافر المواد المخدرة وسهولة الحصول عليها.• تطرف ديني وضغوط نفسية يقابلها انفتاح غير منضبط على الإعلام الغربي يدفع بشباب ومراهقين إلى تعاطي مخدرات صار الحصول عليها سهلا. نضيف إلى ذلك ما أكدته دراسات أجنبية وعربية من أن انتشار المخدرات يرتبط بدرجة الانفتاح على الثقافة الغربية،والعراق يعد البلد رقم (1) في المنطقة الذي انفتح على هذه الثقافة عبر قنوات فضائية بما فيها إباحية،واختلاط دام تسع سنوات بأفراد قوات الاحتلال.ومن المفارقات إن الدراسات أشارت أيضا إلى أن الرواج النفطي يؤدي إلى زيادة تعاطي المخدرات في البلد المنتج للنفط،بمعنى إن الثروة النفطية تؤدي إلى الرفاهية،وهذه تؤدي إلى ثقافة استهلاكية
الـمخــدّرات..حــرب استهــداف الـقيــم وتفكيــك الـمجتمــع
نشر في: 28 يناير, 2012: 07:08 م