علي حسينيحلو لبعض المسؤولين أن يصوروا جلوسهم على كرسي السلطة بأنه جلوس اضطراري، لم يكن يريدونه ولم يسعوا إليه يوما، ولو خيروا بين السلطة وابسط وظيفة لاختاروا الثانية لأنها تريح أعصابهم وتجعلهم يتفرغون لكتابة مذكراتهم، ومن يسمع تصريحات البعض منهم سيتصور أن العراقيين وقفوا على الأبواب يذرفون الدموع ويلطمون الخدود ويستحلفونهم بكل عزيز من اجل أن يستمروا في جلوسهم على كرسي الحكم،
البعض يريد أن يوهم الناس بأنه قبل المهمة على مضض وبضغط من بعض الأحباب، كما اخبرنا السيد المالكي في حوار تلفزيوني قبل ايام بأنه اجبر على القبول بمنصب رئيس الوزراء وانه لو خير لاختار مهنة التدريس، حديث المالكي ذكرني بموقف لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق جوردن براون فالرجل مثل رئيس وزرائنا ما أن شعر بانه لا يستطيع أن يقدم شيئا لشعبه قرر تقديم استقالته واعتزاله العمل السياسي والتوجه إلى ميدان التدريس "الأفضل له ولأسرته"، حسب تعبيره لان نتائج الانتخابات أحرجته ووضعت البلاد في أزمة سياسية.. لو سألت أي عراقي عن رأيه في براون سيقول عنه انه إما ساذج أو مجنون، فهل هناك سياسي يترك منصبه لأنه يشعر بأنه لا يستطيع أن يقدم شيئا، وانه يفضل أن يحافظ على استقرار البلاد، طبعا مثل هذه الأسئلة تبدو ساذجة لأنها تدخل في دائرة المستحيلات ونحن نرى سياسيين يرفضون مغادرة كراسي السلطة حتى لو تم إحراق نصف الشعب، بالأمس القريب خرج علينا اياد علاوي مبتسما ليقول انه لا يطمع في منصب وان رئاسة مجلس السياسات لا تعنيه، ولكنه في المقابل يرفض ان يعود لمكانه الحقيقي كنائب في البرلمان يدافع عن مصالح الناس.لا يقدم مسؤولونا أسبابا منطقية يمكن أن نحترمها لالتصاقهم بكرسي السلطة وحين يحاول البعض زحزحتهم يطالبون بالانتقال إلى كرسي آخر اكثر متانة وراحة ومنفعة.ينبهنا سارتر إلى ضرورة مراقبة الطريقة التي يتحدث فيها الحكام وهم يجلسون على كرسي السلطة والى مراقبة المفردات التي يستخدمونها والتي تختلف حسب قوله عن المفردات التي تستخدم عندما يلقي الحاكم خطابه وهو واقف، يحلل سارتر الظاهرة، مؤكداً أن الحاكم يتحسس كرسيه كلما تحدث "إن الحاكم يعرف كل هذا ويضحك كلما اكتشف ان وجوده مرتبط بهذا الكائن الصامت "الكرسي" هو يعرف ان هذا الكائن يشحذ فيه أسلحة الدفاع عن النفس ويحول الخسائر إلى انتصارات. وحين اقرأ أخبار خسائرنا من اجل الكرسي أتذكر حكاية الأعرابي الذي دخل على معن بن زائدة فوجده جالسا على كرسي وثير فهجاه قائلاً:"أتذكر إذ لحافك جلد شاة.. وإذ نعلاك من جلد البعيرفسبحان الذي أعطاك ملكا..وعلمك الجلوس على السرير ويقصد به "الكرسي"، بين المالكي وعلاوي والمطلك والهاشمي وصراع الكرسي الوثير هناك نموذج الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سليفا فهذا السياسي العصامي استطاع بفضل نزاهته وحكمته وإصراره على إشاعة روح العدالة الاجتماعية أن يحدث اكبر التحولات السياسية والاقتصادية في بلاده، وحين اطمئن إلى أن كل شيء يسير في الطريق الصحيح نفض يديه من السلطة وقرر أن لا ولاية ثالثة حتى وان كان سببا في أنقاذ الملايين من العوز والتسلط وحول بلادهم إلى فردوس على الأرض فالنزاهة في السياسة لا تقل أهمية عن النزاهة في الاقتصاد فهما طريقان يؤديان إلى الغرض نفسه، وهو إسعاد الشعوب لا إنعاش الجيوب.
العمود الثامن: كرسي المالكي.. وابتسامة علاوي
نشر في: 28 يناير, 2012: 10:36 م