عادل العامليمكن اعتبار رواية الكاتب المكسيكي خوان بابلو فيلالوبوس Vilallobos، الصادرة مترجمةً إلى الانكليزية الآن، تنويعاً بارعاً بالنسبة لرواج ”الأدب التخديري “narcoliterature الأميركي اللاتيني، كما يقول توم بونستسد في عرضه للكتاب. فرواية (أسفل جحر الأرنب Down the Rabbit Hole ) تُروى لا من وجهة نظر رجل عصابة، أو شرطي، أو عاهرة، وإنما من وجهة نظر طفل صغير. وهذا الطفل الراوي،
توشتلي، المخفي في الوسط البارد والساذج لصفقات الكوكائين المكسيكية، والشد السياسي، واغتيالات الأزقة الخلفية، هو ابن زعيم مخدرات متنفذ يُعرف بـ"الملك". وكونه شاهداً على فظائع هذا الوسط وهو مع ذلك صغير جداً على إدراك همجيتها تماماً، فإن ما لا يفهمه توشتلي كلّيةً هو الذي يجعل من (أسفل جحر الأرنب) عملاً على هذه الدرجة من الإصابة بالصدمة. وفهمه المحدود ــ وهو طفل عمره 10 سنوات ــ ينقل مع هذا صورةً أعمق وأكثر نفاذاً للعتمة التي في قلب العصابة. غير أن لدي فيلالوبوس طموحات أكبر أيضاً. فبالإضافة للمدخل المنحرف oblique الذي يخطط له إلى عالم الشر هذا، فإنه يتطلع إلى تناول فكرة المكسيك كمجرد متلقٍّ سلبي للمكائد العالمية ماضياً وحاضراً.وبكورية توشتلي التشقلبية قليلاً وحبه للكلمات الطويلة تجعل من قراءة هذا الكتاب تسليةًًًًًًًًً طيبة. وعلى كل حال، وكما هي الحال مع أي راوٍ مصنوع بذكاء وغير جدير بالثقة، فإننا نرى سريعاً أن ثقته الذاتية ليست إلا أكثر قليلاً من وقفة في عالم موحش، وأن مفرداته اللغوية الراشدة محاولة منه لتعزيز خراب طفولته المروّع. وهو يعيش في إلفة سهلة مع العنف. ويمكن تحسس ذلك من كونه يعاني تشنجات شديدة في المعدة. وهو يقول "بالنسبة للطبيب، كان هناك شيءٌ ما خطأ مع وضعي السايكولوجي، وليس بطني ". لكن، لا أحد لديه خارج عالم العصابات القاسي يساعده على جعل مثل هذه الأمور مفهومة. وفي الواقع، فإن العدد المدهش للحرّاس والأتباع المحيطين محاط بالصمت، كما نكتشف، وهو ما يعزز وحدته.وهو، بوضعه جانباً بفعل مال المخدرات الذي ولد فيه، يقضي وقته في مخبأ العصابة الفخم يراقب أفلام الساموراي، ويتعلم كلماتٍ من قاموسه ويجمع القبعات من مختلف أنحاء العالم. " إنني أحب القبعات الثلاثية الزوايا، لأنها قبعات جنود مجانين. فأن تعتمر واحدةً وتشعر كأنك تعدو بعيداً لتغزو أقرب مملكة هناك"، كما يعبر عن تعجبه من ناحية. وهو مولع أيضاً بمشاهدة أسود أبيه ونموره الأليفة وهي تأكل جثث مقتولين. وتتوقف الحبكة على تصميمه الجديد على إضافة بعض أفراس النهر الليبيرية القزمة إلى حيوانات الأقفاص؛ ولجعلها من قبيل الكذبة البيضاء، يأخذه أبوه إلى ليبيريا لينقذ من الخطر زوجاً من هذه الكائنات الموشكة على الانقراض.وكرجال مطلوبين، يفترض أبو توشتلي أسماءً زائفة للرحلة إلى ليبيريا وحينها هناك فقط يغامران من فندقهما بالذهاب في رحلات صيد ليلية. وكل هذا يُروى بتفصيل مجتزَأ يتّسم بالإقناع لأن فيلالوبوس، المؤلف، لديه إدراك مؤكد لما لا يهتم به توشتلي وما يهتم به؛ يثبت ذلك مشهد الأفراس، واعتياده على إرادة أبيه في أن يصبح ما يريد، فلا تشغله كثيراً فكرة الأسماء المصطنعة، وما مكوثه مستكناً في فندق يشاهد أباه في حالة سكر بالأمر المختلف عما يجري في البيت بأية حال. وأحد الأمور التي لا يستطيع أن يفهمها توشتلي هو السيل المستمر من الجثث المقطوعة الرؤوس على شاشة التلفزيون، ولو أنه يعرف أنها ضحايا النزاع التخديري narco-strife الضاري. تساءل لماذا يجري قتلهم بهذه الطريقة في حين أنهم " ليسوا ملوكاً حتى؟"وتوشتلي يحب موضوع الثورة الفرنسية، عائداً مرةً بعد أخرى إلى إعجابه بروسبير وفعالية المقصلة. ويمكن ألا يكون هذا سوى موشور prism لمخاوفه بشأن أبيه "السلطان"، لكنه يؤشر إلى أن الواحد لا يمكنه إلا أن ينقّب أعمق. فذلك يجري موازياً للموضوعات المزعجة لإخفاقات الديمقراطية والإمبريالية؛ فنحن نجد،على سبيل المثال، أن اسمَي مرشدا المجموعة في ليبيريا، المتَّخذين للتستر عليهما هما: جون كينيدي ومارتن لوثر كنغ، إشارة للآمال الديمقراطية المحبَطة إن كانت هناك على الإطلاق.والمهم في هذا هو معرفة توشتلي غير المتطورة بشكلٍ متعب؛ إنه يبلغنا هذه الأشياء، لكنه لأنه يفتقر إلى سياقٍ يشرحها فيه، فإن القارئ ملزَم بأن يملأ الفجوات. وربما أراد فيلالوبوس، كما أعتقد، وهو مكسيكي يعيش في برشلونة، أن يضمن ألا يهبط القرّاء الغربيون ببطل روايته، توشتلي، إلى مجرد نتاج حزين لـ"دولة فاشلة". فتوشتلي يرمز إلى ما هو أكبر ــ من خلال الحثّ على الكثير جداً من الفِكَر الممكنة، والمتناقضة أحياناً، حول أين يقف فيما يتعلق بالاندفاعة الإمبريالية لتصدير الديمقراطية. فأقل ما هناك، أن المكسيك، التي كانت ثورتها عام 1910 برعاية من الولايات المتحدة، وتقع في نقطة تقاطع التواريخ والسياسات العالمية هي أكثر تعقيداً بكثير من صفقات مخدرات و جريمة منظَّمة.rn■ عن wordswithoutborders
"أسفل جُحر الأرنب"..أكثر من مجرد مخدرات وجريمة منظَّمة
نشر في: 29 يناير, 2012: 08:58 م