TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الشيخ الذي نزل إلى الميدان وخرج منه رافعاً رايات الحرية والعدالة والكرامة

الشيخ الذي نزل إلى الميدان وخرج منه رافعاً رايات الحرية والعدالة والكرامة

نشر في: 30 يناير, 2012: 08:47 م

فريدة النقاش قال لشيخه: إنني أشم رائحة الجنة في التحرير، هو الذي نزل إلى الميدان مدافعا عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. وبعدها بما يقارب العام اخترقت رصاصتان جسد الشهيد الشيخ «عماد عفت» جاءت إحداهما في ذراعه الأيسر وخرجت من يمين الذراع، بينما اخترقت الثانية صدره من ناحية اليمين
وخرجت من الجانب الايسر من الصدر. ورجح الطب الشرعي أن الرصاص الذي أطلق علي الشيخ عفت جاء من مسافة نصف متر فقط ومن ناحية الخلف،وقد استنتج أصدقاؤه وأسرته ومحاموه من كل هذه الملابسات ما يرون أنه حقيقة شبه مؤكدة ألا وهي أنه قتل عمدا برصاص كاتم للصوت. وأنه سيكون هناك مشوار طويل لإثبات هذا الاستنتاج والتحقق من صحته حين يجري تحقيق جدي في أحداث مجلس الوزراء التي قتل الشيخ أثناءها بل وفي كل وقائع القتل التي سبقتها أو لحقتها.وفي السابع عشر من ديسمبر صلى عشرة آلاف مواطن بالجامع الأزهر على روح الشهيد مدير إدارة الحساب الشرعي بدار الإفتاء بعد أن قام د. علي جمعة مفتي الجمهورية بإمامة المصلين. وكان عفت قد لقي ربه في اليوم السابق وقالت عنه دار الإفتاء إنه عالم فاضل وفقيه متميز من علماء الأزهر الشريف، وطالبت دار الإفتاء بالتحقيق الفوري في سقوط الشهداء وبينهم الشيخ «عماد عفت».وفي تكوين الشيخ «عماد» الفقهي والثقافي والإنساني نزعة ثورية تضرب بجذور عميقة وقديمة في تراث الثقافة العربية الإسلامية والروح التجديدية القوية التي حملها كتاب وفلاسفة وفقهاء مستنيرون من ابن رشد والمعري والرازي والفارابي وابن حزم الذين رغم أنهم كانوا أقلية مقارنة بالتقليديين النصيين والمحافظين فإنهم استطاعوا بعقولهم الثاقبة وأرواحهم الوثابة التواقة إلي الحرية والعدل والكرامة أن يحفروا لأفكارهم وممارساتهم مجري شديد العمق- وإن بقي فرعيا- في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، وأخذت أجيال متعاقبة من الدارسين والفقهاء والشيوخ يحفرون في الأرض القاسية ليصبح المجرى الفرعي رئيسيا.وعلي طريق هؤلاء سار شيوخ الأزهر المصريون الذين قاوموا الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر وشاركوا كقادة في ثورتي القاهرة الأولى والثانية ضدها حتى اندحرت، وسقط منهم مئات الشهداء.إن ريح الجنة التي تحدث عنها الشيخ «عماد عفت» قبل استشهاده كانت قادمة بدورها من ذلك التاريخ محملة بعبق الثورات الكبرى التي اندلعت ضد الظلم والاستبداد في تاريخ الإسلام، وبالوشائج التي تربطها بتاريخ الإنسانية كله والثورات الكبرى التي عرفتها كل الشعوب على الطريق ذاته وتندرج ثورات المصريين وصولا إلى الخامس والعشرين من يناير 2011 فيها كعلامات كبرى في هذا التاريخ الحافل.انبثقت السماحة والعطف العميق على المظلومين في شخصية الشيخ «عفت» من قراءته المستنيرة النصوص الدينية مستخلصا منها قيم المودة والرحمة، العدل واحترام الكرامة الإنسانية، معتبرا الفقر عدوانا على روح الدين والاستبداد مجافيا لها.. وقرأ ببصيرة ثاقبة معنى الدور الذي لعبه القساوسة التقدميون في الثورة الفرنسية، وقساوسة لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية الذين أفضى نضالهم وتأويلاتهم إلى تغيير جذري في موقف الكنيسة الكاثوليكية إزاء حركة الفقراء وكفاحهم من أجل إسقاط الديكتاتورية، وإقامة نظم ديمقراطية ذات محتوى اجتماعي أصيل في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية شارك فيها هؤلاء القساوسة على نطاق واسع رأى الشيخ عفت أن الله واحد والإنسان واحد والدين واحد.رغم صغر سنه التفت تلامذة حوله ونظروا إليه كمثل أعلى واستخلصوا من الإسلام وعلى نفس الطريق الذي سار فيه معنى الثورة على الظلم والاستبداد والعبودية، وراهنوا على الإنسان الخير الذي تتشوه روحه بفعل الفساد والنفاق والاستغلال وتتحرر وهي تشم ريح الجنة حينما تنخرط في المقاومة وفي مواجهة القبح في العالم ابتغاء جمال يدوم وهو لن يدوم إلا إذا تأسس على العدل.الشهيد «عماد عفت» هو الشيخ القدوة الذي لم يتحدث أبدا عن الجلباب أو اللحية. ولم يكفر أحدا معتبرا أن الدين لله والوطن للجميع.. فودعه آلاف المسلمين والمسيحيين يساريين وليبراليين ومنتمين للإسلام السياسي وهم رأوا فيه معنى إسلام المستقبل.ونحن في انتظار أن تخرج من حدادها الزميلة نشوى عبد التواب الصحفية في (الأهرام ويكلي)وزوجة الشيخ عماد ورفيقة عمره لكي نجري معها حوارا تفصيليا عن سيرته التي لن تموت. هو الذي طلب الشهادة ونالها على حد تعبيرها، وكان قد أنشأ لنفسه بريدا إليكترونيا حمل عنوان «شهيد الأزهر» هو الذي اعتصم في ميدان التحرير منذ 25 يناير وشم فيه رائحة الجنة ثم ساهم بعد ذلك في كل أشكال الاحتجاج معتصما ومتظاهرا لأنه رأى أنه لابد من استمرار الثورة حتى تستكمل تحقيق أهدافها وتصنع للبشر جنة على الأرض.لو كان الشيخ عماد عفت قد قتل عمدا فإن القتلة يكونون قد استهدفوا كل هذه المعاني التي حملتها حياته وسوف تبقى سيرته تذكرنا بها على الدوام كالنسغ في عروق الأشجار المعمرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram