سرمد الطائيهل المطلوب اليوم الاطاحة بالمالكي لأن اياد علاوي او عادل عبد المهدي افضل منه. ام اننا نطرح اسئلة خاطئة من اساسها ونأتي بفرضيات عتيقة لاقحامها في عملية سياسية من زمن العولمة؟ ويبدو لي ان مجموعة خرافات هي التي تسير جزءا كبيرا من الرأي العام العراقي. ولا اقصد هنا الدلالة الغيبية او الميتافيزيقية لكلمة خرافة، وإنما القضايا التي يجري التعامل معها كبديهيات حين نقرر ان نصطف مع هذا ضد ذاك او العكس.
ويقع في هذا الباب سؤال استنكاري واستسلامي يطرحه كثير من الناس قائلين: لماذا نطلب تغيير المالكي، وهل تحسب ان اياد علاوي افضل منه، ام ان عادل عبد المهدي او غيره، اكثر براعة يا ترى؟لكن ما يجري في اطار تساؤل من هذا النوع هو عبارة عن ضياع وراء اسباب او اهداف ثانوية ونسيان الهدف الاساسي من تغيير الوجوه والشخصيات. فهل المطلوب من التغيير الاتيان بشخص افضل ام ان القصة ابعد من ذلك؟في عمليات التغيير القديمة يجري استبدال الفاسد وتنصيب رجل "صالح" مكانه. اذ يأتي فارس او امير ويطيح بحاكم قديم تراكمت خطاياه وبانت عيوبه، فيأتي ببديل يزعم انه اصلح وأفضل. لكن الناس تدرك بعد برهة ان عامر ليس افضل من عمار، ويتسرب إلى اوصالها اليأس من اي تغيير. ووفق هذا المنطق فإن أكثر العراقيين حماسة في المعارضة اليوم يقول لك في لحظة يأس: كلهم متشابهون، فما الجدوى من الاطاحة بالرئيس فلان، ومن قال ان علان احسن حالا منه؟ان هذه الطريقة في طرح الاسئلة تأتي بهدف كلاسيكي عتيق وتقحمه في عملية سياسية "من زمن العولمة". فالنظم الديمقراطية في عصر ما بعد الثورات التقليدية، لا تزعم الاطاحة بفاسد، كما لا تدعي انها تأتي بالصالحين عبر صناديق الاقتراع. وكل ما هنالك ان كل نظام ديمقراطي يبذل قصارى جهده لتحقيق مبدأ تداول السلطة وعدم تكريسها في كارتل محدود او شخص مهيمن على مصائر العباد والبلاد. اما في بلادنا فإن السلطة بدأت تتكرس داخل مجموعة احتكار محدودة يرأسها المالكي وفريقه.ولعل معظم الرؤساء الذين تنتهي ولاياتهم في الغرب المتقدم، صالحون للاستخدام 20 عاما أخرى، كما ان العديد من القادمين الجدد الى قصور الزعامة هم اقل كفاءة ممن سبقهم في بعض النواحي.والمؤسسة الحديثة لا تصحح اخطاء الزعيم عبر تقواه الاخلاقية، بل عبر جهاز رقابة فاعل وفصل بين السلطات، ومجتمع حي. وهي عوامل من شأنها ان تحول اكثر الاشخاص فسادا، الى رجال بلا اخطاء تقريبا في مؤسسة السلطة. المؤسسة الحديثة ليست بحاجة الى "ولي معصوم" بل تحتاج الى تداول حقيقي للحكم وتدعيم لاجهزة الرقابة وعدم تقديس لمصالح الزعامات والاحزاب وفصلها عن مصلحة الجمهور.ولذلك فإن تجربة الانسان المعاصر تفترض ان ابقاء الزعيم في منصب واحد مدة طويلة، مفسدة كبيرة حتى لو كان المهاتما غاندي، اذ يهيمن على السلطة وتكبر بطانته وتفسد على مهلها وتحول السلطة من مشروع تداول الى مؤسسة سلطنة مستبدة.والعراق لم يبلور فصلا مناسبا بين السلطات ولم تنشأ فيه اجهزة رقابة ناضجة بعد، ولذلك فإن اخطر ما يمكن ان يواجهه هو بقاء رأس السلطة التنفيذية، فترة اكثر مما يجب، فيكثر اعداؤه ويصبح عقدة سيكولوجية في كل سجال. ولذلك فإن السؤال الذي يفاضل بين المالكي وخصومه سؤال خاطئ بالمنطق الحديث، والمطلوب اعادة صياغته وفق الطريقة التالية: المالكي الذي لا يمتلك منجزا خطيرا نخشى فقدانه، هل يشكل بقاؤه ضررا على التداول السلمي للسلطة؟ وحين نجيب بكلمة نعم، فلن يعود مهما لون عيون البدلاء او مستواهم الاخلاقي او كفاءتهم الادارية، بل المطلوب منع احتكار السلطة من قبل فريق فاشل، والاتيان بفريق آخر قد يماثله في الفشل لكنه يكسر طوق الاحتكار ويمنع تحول الزعيم الى غول.
عـالَـم آخــر: علاوي افضل ام المالكي؟
نشر في: 30 يناير, 2012: 11:05 م