لطفيّّة الدليميالقسم الثالثيرتبط مفهوم التسامح العصري بمفهوم الحداثة التي انبثقت في عصر التنوير واستتبع ذلك ارتباط فكرة التسامح بالأسس الثلاثة المساندة للحداثة التي شاعت في أوروبا وأميركا عندما كانت البلاد العربية خاضعة للسلطنة العثمانية- وتتمثل الدعائم الثلاث بمفهومات جديدة الحياة السياسية
وهي : حرية الضمير والعقل بما يعني (الفصل بين المقدس والدنيوي) فصل الدين عن الدولة ثم فكرة ( المساواة بين البشر) أي حقوق الإنسان ثم حقوق الأقليات ، رغم أن فكرة الحقوق والمساواة لم تكن جديدة على البشرية لأنها ولدت من صلب الأخلاقيات الدينية والوصايا التي جاء بها سقراط وبوذا والمسيح والإسلام .كانت أشكال الحكم في المجتمعات المغلقة السابقة للعصر الحديث - عصر التنوير - تتسم بالاستبداد والحكم الفردي المعتمد على القائد - الأب رمز البطرياركية الأبوية في أجلى صورها، فكانت كلمة الأب القائد الذي يستمد سلطته من دعم المؤسسة الدينية هي الكلمة الفصل في إصدار الأحكام بشكل فردي دون أن يسمح بأي شكل من أشكال المشاركة أو الشورى ، ومن الطبيعي تحت ظل هذا النظام السياسي المتعنت أن تتدنى مكانة النساء وتشتد قوة الأبوية الذكورية المفرطة حتى عدت النساء - وهن نصف المجتمع - جزء من ممتلكات الأب أو الزوج، فكانت بعض القوانين القديمة تبيح للزوج سداد ديونه بالتخلي عن زوجته أو ابنته للدائن - بينما كانت النساء في عصور فجر الحضارة البشرية مكرمات ومبجلات في المجتمع ومعبودات في مجمع الآلهة ثم حدثت الانتكاسة الكبرى للأنثى بهيمنة الآلهة الذكورية العنيفة كالإله مردوخ البابلي وزيوس الإغريقي .. ¬ ولم يكن متاحا حينها الكلام عن مفهوم التسامح والحرية فكان الحاكم يستمد سلطته من السماء بدعم الكهنة ، وعندما تفاقمت هيمنة الكهنة واستبدادهم باسم الآلهة ونهبهم أموال الناس دونما رادع ظهرت تشريعات وقوانين تحد من تفاقم التمييز بين البشر وفي بلاد سومر قام المصلح الأول في تاريخ الشرق القديم - الملك اوروكاجينا بإعلان ميثاقه الشهير ضد الاستبداد واعتبر عمله ثورة اجتماعية غير مسبوقة في سنة 2600 قبل الميلاد - إذ ألغى العبودية ومنح الحرية للعبيد وانتزع الأملاك من الحكام والكهنة الفاسدين وأعادها لأصحابها ولم تقتصر الحرية على العبيد، بل تحرر الشعب من سلطة الكهنة الذين كانوا يستولون على بساتين الناس وأموالهم وأرواحهم - وتعد هذه الوثيقة أول نص تاريخي في العالم يذكر كلمة حرية باسمها السومري (أمارجي) وبعد قرون طويلة من وثيقة اوروكاجينا تراجع مفهوم الحرية والمساواة في أذهان الحاكمين واستبعد المفهومان من الميدان السياسي.وكان التمييز الطبقي أمراً مسلّما به في مختلف العصور واعتبر نظام الطبقات الاجتماعية في بابل وأثينا - جزءاً من نظام الطبيعة والنظام السياسي الذي كان يعترف بوجود ثلاث فئات كبيرة من البشر يمارس عليها التمييز العنصري - ويجرد أفرادها من صفة المواطنة - مع أنها تمثل الغالبية العظمى للشعب وهي التي تصنع رفاه الطبقات المهيمنة وتتكون الفئات الثلاث من : النساء والعبيد والغرباء وكان العبيد ينجزون التقدم الاقتصادي ويقومون مقام الآلات التي أتت بها الثورة الصناعية في ما بعد، أما النساء فإضافة (إلى وضعهن القانوني المتسم بالدونية والتبعية للأب والزوج في الديمقراطية الأثينية) فقد كن محرومات من التعليم مع بعض الاستثناءات في الطبقات الارستقراطية – وكانت المرأة رهينة المنزل ولا تخرج إلا في الأعياد الدينية والجنائز ، وللمفارقة كان حظ الإماء والعبدات أفضل من سيداتهن إذ كان بوسعهن الخروج وأداء الأعمال، مثلما كانت نساء الحاكم أو سيدات البلاط يتمتعن بحق الخروج من المنزل. ونذكر هنا دعاء الفيلسوف اليوناني الذي يشكر الإله لأنه رجل وليس امرأة وهو حر وليس عبدا وهو يوناني وليس بربريا أجنبيا .. فكرة الأجناس البشرية اعتباطية وعنصريةأثبت علماء الأحياء والإناسة في السنوات العشر الأخيرة ان فكرة الأجناس البشرية ليست ذات سند علمي - فالاختلافات المتعددة بين البشر كما يذكر ياكوبوتشي ( تتعلق فقط من الناحية البيولوجية بالخصائص الوراثية فالاختلافات الوراثية بين أفراد ينتمون الى نفس الشعب أو نفس الجنس تبدو بشكل عام أهم من الاختلافات بين الشعوب أو بين الأجناس المختلفة أي أنه من حيث المورث الجيني وفصيلة الدم قد أشارك في الخصائص سنغاليا اسود آتيا من إفريقيا أكثر مما أشارك جارا ابيض من بني وطني !!) ويلاحظ انه لا توجد جماعة بشرية تتوافق مع جماعة بيولوجية خالصة وقد ترتبط شعوب في ما بينها بقرابة وثيقة تتكون من أفراد تخت
بشر متعصبون.. أديان وسياسات وثقافات
نشر في: 31 يناير, 2012: 06:12 م