وديع غزوانلسنا البلد الوحيد الذي تحصل فيه حالات هروب من السجون وخروقات شتى في التعامل مع السجناء والفساد الذي يتيح عقد اتفاقات تمكن السجين من الهيمنة داخل الزنانة وتجهيزه بوسائل الاتصالات التي تتيح له ممارسة نشاطاته بحرية. لا نريد أن نعطي هنا تبريراً لما يحصل في سجوننا والذي أشارت إلى بعضه ، متأخرة جداً ،لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عندما صرح احد أعضائها " إن بعض السجون تحول إلى مركز للتخطيط للعمليات الإرهابية " مقترحاً تولّي وزارتي الدفاع والداخلية حماية السجون .
فما زالت السجون عندنا تفتقر إلى ما يقربها بحدود معينة من شيء اسمه الإصلاحيات سواء ما كان يتعلق منها بالكبار أو الاحداث أو النساء . وتضم السجون بين جدرانها نماذج متنوعة من المحكومين ودرجت الجهات المتخصصة سابقاً ،على حد علمي ، إلى تقسيم السجون بحسب نوع الجرم والحكم ،فهناك ما يسمى بالثقيلة أو الخفيفة، ولا أظن أن هنالك متوسطة ، لذا فإن إدارتها تتطلب كفاءات وخبرات قادرة على التعامل مع هذا المزيج المتنوع وإعداد التقارير التأهيلية عنهم وامتلاكهم قدرة التعامل مع النزلاء بما يحقق حداً معيناً من الإصلاح لممارسة دورها في إعادة البعض كأفراد نافعين في المجتمع ، وهي مهمة صعبة جداً في العراق وسواه بل حتى في الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال ومنها الدنمارك والسويد والنرويج . ونعتقد أن أبرز صعوبات العمل في مثل تلك المؤسسات هو احتمالية تعرض إدارته والعاملين فيه للفساد بما يقوض مبدأ العدالة ومفهومها . ومع تقديرنا لكل المخلصين في بلدنا من العاملين في السجون والجهود البسيطة لوزارة العدل ، إلا أن الأمانة وظروف وطننا الحرجة تدعونا للتنبيه على بعض مظاهر العمل في تلك المؤسسات التي نعتقد أنها أحد أسباب الخلل في السجون ،ومن أبرزها اعتماد المحاصصة والمحسوبيات في إدارتها وعدم منح الباحث الاجتماعي فرص الإبداع وإعاقته بروتين العمل واقتصار الإيفادات للدورات التطويرية على أصحاب الحظوة وغيرها من الأسباب التي شخصها وزير العدل في أكثر من مناسبة ،ووعد باتخاذ الإجراءات التي من شأنها تطوير العمل في هذه المؤسسات المهمة. المشكلة الأخرى باعتقادنا هو هذا السياج الحديدي بين الإعلام والعدل كوزارة ومؤسسات ، وعدم السماح بالولوج في أسراره ، رغم أنها يفترض- على الأقل- بالنسبة للقضايا الجنائية البعيدة عن طابع الجرائم الإرهابية ، أن تتمتع بقدر من العلاقة والتعاون الذي يصب في خدمة الصالح العام . ومع إدراكنا حساسية العمل في هذا المجال لتعلقه بقضايا تحقيقية وحقوق مواطنين ، إلا أن هذا لا يمنع الوزارة ومجلس القضاء الأعلى من وضع ملامح خطة تعاون ينفتحان فيها على الإعلاميين وذوي الاختصاص وتنظيم زيارات للسجون بإشرافها ، كما يحصل في دول العالم المتحضر . لا أريد أن أسهب أكثر في موضوع دقيق كهذا، ولكن ما ينبغي تأكيده هنا حقيقة معروفة وواضحة تتمثل بالفساد، الذي تحتل معالجته والحد منه في مثل هكذا دوائر أهمية خاصة واستثنائية .
كردستانيات: العدل والإصلاحيات والفساد
نشر في: 31 يناير, 2012: 07:53 م