TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > يحدث في العراق فقط :تصريحات مضطربة

يحدث في العراق فقط :تصريحات مضطربة

نشر في: 31 يناير, 2012: 10:24 م

 أحمد حسين في مجتمع لا يتعاطى مع الصحة النفسية ويعتبرها انتقاصا للفرد والعائلة على حد سواء، يبدو التقرير الوارد في هذه الصفحة عن الموضوع مبشرا بخير إذ يسجل أن أكثر من عشرة آلاف رجل وامرأة من أهالي محافظة ذي قار راجعوا وحدات الصحة النفسية خلال العام 2011، جميل أن نرى جزءا من المجتمع العراقي بل والجنوبي خاصة لا ينظر للطب النفسي كنقيصة بل حاجة ضرورية تتطلبها صحة الإنسان، لكن المفزع في الأمر هو عدد المراجعين في محافظة واحدة،
وأظننا نتفق على أن هؤلاء جزء يسير من عدد أكبر ما زال يتحفظ عن زيارة الطبيب النفسي. ومن المتوقع أن تكون غالبية المراجعين من النساء في مجتمع يتعامل مع المرأة كبضاعة وتحت ظل مؤسسات لا تختلف في نظرتها للمرأة عن المجتمع نفسه، وبحسب التقرير فإن المراجعات لسن بمجنونات بل يعانين  أمراض اضطرابات ما بعد الصدمة، والاكتئاب، واضطرابات نفسية واجتماعية، والشعور بالاضطهاد، والتفاوت في المعاملة بين الجنسين، والعنف الأسري والاجتماعي. ويسجل التقرير أيضا تشخيص 400 طالب وطالبة يعانون  اضطرابات نفسية، بسبب سوء معاملة إدارات المدارس والمعلمين، وهو ما يضيف عاملا آخر إلى سوء التربية  التي يتلقاها أطفالنا، إناثا وذكورا.المخيف في الأمر أن الأطفال أكثر اتصالا وتأثرا بالأم من الأب، خاصة وأنهم في مراحل النمو المبكرة يقضون معظم أوقاتهم مع الأم وخاصة الإناث، والكثير من صفات وتصرفات الطفل مكتسبة من أمه، أي بمعنى أن اضطرابات الأم النفسية والعقلية ومخاوفها وشعورها بالاضطهاد ومعاناتها من العنف سينعكس على الطفل وينطبع في ذاكرته، وهو ما يفرض على المعنيين بشؤون المرأة والطفل قرع نواقيس الخطر، بل إعلان حالة نفير صحي واجتماعي وتربوي وثتقيفي، خشية على المرأة كإنسانة، وخوفا على ما تمثله كنصف للمجتمع، واحترازا لحماية النصف الآخر الذي ينشأ ويتربى في واقع نفسي مضطرب.الأشد إفزاعا في هذه الصفحة هو التقرير الآخر المتعلق بتصريحات وزيرة الدولة لشؤون المرأة ابتهال كاصد، التي بدلا من أن تهتم بما تعانيه المرأة من اضطهاد أسري واجتماعي وسياسي وديني وثقافي جعل منها بيئة خصبة للاضطرابات النفسية، وبدلا من أن تكلف وزارة شؤون المرأة نفسها باعتماد الخبراء والمتخصصين من مختلف القطاعات والاختصاصات العملية والطبية والتعليمية والاقتصادية والثقافية للنهوض بواقع النساء ببرامج عمل حقيقية، راحت وزيرتنا تبشر بما تؤمن به وتعلم النساء كيفية إدارة شؤون حياتهن المرهونة برضا الرجل والموقوفة على مباركته لما تنوي حريمه القيام به.الفرق بين التقريرين كبير، فالأول اعتمد الإحصائيات الرسمية المسجلة في وحدات الصحة النفسية، وتحليلات لمسؤول متخصص في هذا المجال، وأيضا معالجات علمية لا هي سياسية ولا إيديولوجية، من المؤمل أن تنجح في انتشال مجتمعاتنا من أوبئة نفسية تتفشى بصمت، أما التقرير الآخر فهو مناقض تماما، إذ يتناول تصريحات تعكس وجهة نظر سياسية وعقلية عقائدية لوزيرة من المفترض أنها تعمل من أجل النساء العراقيات من مختلف المكونات الدينية والقومية من دون استثناءات إيديولوجية، كما أن الوزيرة وخلال اللقاء الذي أجرته "المدى" معها الأسبوع الماضي لم تقدم أي تقرير أو كشف عما قامت به من واجبات تفرضها عليها وظيفتها وواقع النساء المرير، بل اكتفت بذكر أنشطة وفعاليات إعلامية غير ملموسة على أرض الواقع.شتان بين التقريرين، بين واقع المرأة العراقية وتصريحات الوزيرة المعنية بشؤونها، بين المخاطر التي تهدد ثلاثة أرباع المجتمع ـ كما قالت أحدى الناشطات النسوية ـ وبين برنامج القوامة الذي تروجه له كاصد، ربما بات واجبا إنسانيا الالتفات إلى واقع المرأة بعد أن أعلنت وزارة المرأة أنها منشغلة بما هو أكبر وأخطر أمر يهدد مكتسبات المرأة ومميزاتها وحقوقها ألا وهو المساواة بين الجنسين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram