سرمد الطائي رغم كل ما يمكن أن نسجله على لقاء زعيم ائتلاف العراقية بالسفير الإيراني "الغاضب دوما" وهو من أصول عراقية وتربى في ثكنات الحرس الثوري، إلا أن في وسع المرء أن يأمل من اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات ولم يعلن عنه، خطوة صحيحة. وقد أعجبني المغضوب عليه صالح المطلك يوما خلال حوار أجريته معه، إن "القائمة العراقية تريد تصحيح العلاقة مع إيران، وهي الطرف الأقدر على ذلك".
وليس المطلوب مقاطعة القادة الإيرانيين وهم شركاؤنا في مصائر ومصائب عبر التاريخ، بل المهمة الأساسية هو إطلاق حوار مع أهالي هضبة زاغروس، لم ينطلق حتى الآن على أسس صحيحة.لكن التساؤل هو: إلى أي حد أفادت القائمة العراقية بشخص زعيمها إياد علاوي من هذه الفرصة؟ هل نجح في اختيار العبارات المناسبة التي يمكنها "تصحيح" العلاقة مع إيران؟ أم أن اللقاء كان مجرد فرصة لإعادة طرح الشكاوى المعروفة التي ترددها العراقية، ويطرحها منذ أعوام كل المحتجين على طريقة طهران في التعامل مع الملف العراقي وإصرارها على اعتباره "ملفا امنيا" بيد حرس الثورة؟لقد ضيع العراق فرصا مهمة في بناء أساس صحيح للحوار مع إيران، كما استسلم لمشيئة المرشد علي خامنئي الذي قام بتحويلنا الى مجرد ملف على طاولة "سوباه باسداران"، بينما كان من الممكن أن نتواصل مع التيارات الإيرانية الإصلاحية التي لديها امتدادات بشكل أو بآخر في مؤسسة السلطة، وان نتحاور مع النخبة الإيرانية الممتازة الموزعة في المنافي، كي نفهم كيف تسير الأمور في إيران بالضبط. لكننا لم نفعل ذلك. ولهذا بقيت المعادلة تتحرك لصالح طهران التي تفهمنا بشكل جيد وتدرك معنى كلماتنا العربية وتتلاعب بالكثير من مقدراتنا بدءا بإطالتها أمد حرب الثمانينات حين لم تنصت لتوسلات صدام حسين بوقف إطلاق النار، وانتهاء باستغلالها العقوبات الدولية المفروضة على العراق في التسعينات.أما نحن فلم نبذل جهدا في فهم إيران واكتفينا بالاعتراض عليها وشتمها واختزالها في صورة "عدو فارسي".شخصيا لم ألتق علاوي سوى مرتين، واحدة عام 2005 خلال كتابتي فيلما وثائقيا حول الانتخابات، والثانية في رمضان الماضي. وقد تحدث في اللقاء الأول عن شأن محلي وقلت له انه يخفق في مخاطبة جمهوره ويضيع فرصة كبيرة وان حديثه عن العراق لم يصب هدفه. أما في اللقاء الثاني فكان يتحدث عن التحولات التي تطرأ على اقتصادات الدول الكبرى والتداعيات المحتملة للربيع العربي، وكان مجيدا في وصفه وفهمه وبارعا في عرض وجهة نظره. وهكذا وجدته يخفق في فهم العراق، ويبرع في وصف العالم من حولنا.وبالتأكيد فإن علاوي تحدث مع دانائي فر عن العراق، وعن الظروف التي تحيط بالمنطقة والعالم. وأخشى انه تحدث بشكل مكرور وغير مفيد عن الداخل، بينما أجاد في إلقاء محاضرة مفيدة عن الخارج.وقد يكون تقدير صالح المطلك صحيحا وأن العراقية هي الطرف الأكثر قدرة على تصحيح العلاقة مع إيران اذ ليس لديها "تحرج الحكيم" او "مأزق الصدر". ولكن وبسبب "فشل عراقي" يتكرس في هذا الزمن، فإن العراقية أضاعت الكثير من الفرص، وكررت الأخطاء في أكثر من ملف، ولعل الحوار الذي تطلقه مع "ساسة الملف النووي" يكون خاضعا لهذه القاعدة.والامر يذكرني بحوار اجرته الزميلة "الشرق الأوسط" مع طارق الهاشمي الذي قال: "اكبر أخطاء عمري إنني دعمت المالكي مرتين"! فأخطاء العمر للقائمة العراقية أكثر من أن تحصى، فقد ضيعت فرصة بناء المعارضة السليمة في البرلمان، وصمتت عن أخطاء هائلة في الدولة العراقية بثمن صمت المالكي عن أخطائها، وهذه من اكبر "أخطاء العمر" التي سنظل نتذكرها لسلبية علاوي وباقي رؤوس القائمة دون استثناء.
عـالَـم آخــر :العراقية وإيران و"أخطاء العمر"
نشر في: 31 يناير, 2012: 11:52 م