TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية:في السجال حول هوية المرأة وحقوقها:وزيرة المرأة تنقل وزارتها إلى البيت..

الافتتاحية:في السجال حول هوية المرأة وحقوقها:وزيرة المرأة تنقل وزارتها إلى البيت..

نشر في: 1 فبراير, 2012: 11:55 م

 فخري كريم

يخطئ من يظن أن الأزمات السياسية المتواترة منذ تَسيّد فريق المالكي على  الحكم لا مصلحة فيها للعراقيين، أو أنها تنفلت في أوقات متقاربة دون إرادة  المعنيين بنتائجها من قادة الدولة وكتلها السياسية.

إذ بفضل هذه الأزمات  التي لم تتوقف، نسي المواطنون او أجبروا على نسيان المصائب التي تتراكم فوق  رؤوسهم، والقضم الذي يتواصل في العاصمة وسائر المحافظات لحرياتهم العامة  والشخصية، وهو قضم تسلل الى بيوت الناس المغلوبين على أمرهم تحت التلويح  بالمحرمات والتكفير

 فلم تَعُد تفاصيل خصوصياتهم الشخصية والأسرية بعيدة عن ملاحقة أمراء " الامر بالمعروف والنهي عن المنكر " سيئي الصيت، المتنكرين بِلِحى التقوى وعصي المفتشين العامين وممثلي وزارة المرأة ودواوين رئيس الوزراء التي باتت بفضل غياب الدولة المنتظرة، منتشرة في الوزارات وأقبية رئاسة محافظة بغداد والمحافظات النائية المحروسة بسلطة دولة القانون وفرماناتها.وبفضل ذلك كله لم يَعُد للناس متسع للشكوى من غياب نور الكهرباء واختلاس الملايين المرصودة لمعالجة أزمته، ولا إعلان الاحتجاج على انعدام الخدمات أو استشراء الفساد والمحسوبية، واكتفى العاطلون الموجوعون بمهانة حرمان ذويهم من مصدرٍ رزقٍ يسُدُ رمقَ أطفالهم بانتظار الفرج وزوال الغمة، كما نام المواطنون بمختلف مشاربهم وليس من نديمٍ لهم سوى خيالاتهم والقلق الممضّ الذي يقضُّ مضاجعهم من المفخخات والعبوات اللاصقة والانتحاريين وهي مظاهر عادت الى بغداد وانتشرت في أرجائها، وعطلت " صولات " القائد العام وانشغالاته الدائمة بـ" تعطيل المؤامرات " التي تُحاكُ في الخفاء على سلطته ويراد لها ان تتكرس " سلطةً للفرد المتجبر والحزب الواحد " بالتدريج وبتدابير " تَسللية " في غفلة (أو رضا صامت) من الآخرين، الحلفاء منهم والمخالفون المشغولون جميعاً بصراعاتهم الفئوية لتحسين شروط مشاركتهم في وليمة الحكومة.

وفي أجواء الورع الكاذب التي يتستر به المسؤولون، وتحت حماية حكومة دولة القانون، شن رئيس مجلس محافظة بغداد حملته الإيمانية قبل سنة، وقبله اتخذت محافظات عديدة صولات إيمانية من نوعٍ خاص، أنعمت على مواطنيها ببركاتهم، التي تمثلت بمنع السيرك في البصرة وإلغاء مهرجان بابل في محافظة بابل وفُرض الحجاب على طالبات المدارس الابتدائية والروضة وألزم مجلس محافظة واسط عضوات المجلس بمحرمٍ يرافقهن، ثم اختلفوا فيما بينهم على راتب المحرم ! ولمن لا يتابع، فان الإجراءات والتدابير القاضمة للحريات متواصلة في المحافظات، وقد تحولت مدنٌ وحواضرها بفضل ذلك الى ثكناتٍ للتحريم والتكفير وقد جرى تناسي -بتفشي تلك المحرمات- أن الناس أسوياء وكاملو الأهلية ولا يحتاجون الى قيمومة أدعياء الورع والتقوى، وأن هؤلاء الناس يعيشون في الألفية الثالثة التي يتحول العالم خلالها وبفضل الاكتشافات العلمية المدهشة الحاصلة فيها الى واحة لتبادل المعرفة والثقافة والعلوم، والاغتراف من منابع الحضارة الانسانية الثرة والواسعة الغنى والتنوع.

لقد تعمدت صولات المتصارعين على السلطة ان تنسينا مواصلة الدفاع عن مطالبنا في الأمن والاستقرار وحق العمل وتوفير الخدمات وايقاف نهب المال العام وتعطيل بناء الدولة المدنية وتصفية الفساد الاداري والمالي، ووضع خارطة طريقٍ للانتقال من لوثة المحاصصة الطائفية الى مشارف الدولة المدنية المبنية على قاعدة المواطنة الحرة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والحريات، لكنها بالمقابل وفي ظل التحصينات الطائفية وادعاءاتها الملفقة، جعلتنا في حالةٍ من انعدام التوازن في وعي ذاتنا المأسورة وموقعنا من العالم الفعلي، وليس الافتراضي وما يوجبه ذلك من أطر ملزمة للحكومة ومسؤولي الدولة المترهلة دون بنيان متكامل والالتزامات المفروضة عليها بحكم المعاهدات واللوائح الأممية، بل بموجب الدستور نفسه.

ان دولة القانون والحاكمين تحت مظلتها، لم يعودوا يأبهون بالرأي العام وبما يُطرحُ في الصحافة ووسائل الاعلام وهم لم يلتقطوا كما يبدو من تجربة الربيع العربي "المغدور بنتائجه " غير القول المأثور للرئيس المحبوس محمد حسني مبارك " خلي العيال يتسلوا " ! ولمن لا يصدق فإن رئيس الوزراء لم يستجب لأي مطلب شعبي او موقف او رأي طرحه ذوو الرأي او منظمات المجتمع المدني او صحافة البلاد، برغم سقوط عشرات الشهداء في سبيل التغيير.

لكن هذه الحكومة الرشيدة تفضلت علينا بنعمة من أفضالها الكثيرة، بتعيين وزيرةٍ للمرأة، أود في البدء ان اعبر عن احترامي لها وعدم نيتي الإساءة لشخصها او عائلتها أو حتى حريتها بالتفكير واختيار نمط الحياة واللبس والمأكل والكلام الذي تراه مناسبا لما تفكر به وتعتقده، فكل هذه الأمور هي مما يصنف تحت باب الحرية الشخصية المكفولة لجميع البشر، لكنني أتحدث هنا عن الكيان الرمزي والاعتباري والوظيفي لها في الدولة كوزيرة، وليس كسيدة محترمة طبعا.. وذلك في معرض معالجتي لشأنٍ عامٍ من شؤون الدولة والمجتمع. وقد شهد للسيدة الوزيرة كثرة من زملائها بالصراحة والجرأة في الإعلان عن قناعاتها دون مواربة، ولذلك فقد ذكرت لزائريها انها تؤجل البت في قرارات الحلال والحرام التي تخص المرأة، حتى تطرح الأمر في البيت على محرمها وأولي امرها من الذكور وتطلب منهم اتخاذ قرار بذلك.

وللوزيرة او اي مسؤولٍ او مسؤولة الحرية في اتخاذ ما تشاء من مواقف وآراء في بيتها او محيطها العائلي، ولها ان تتمسك او تتخلى عن حقوقها ككائنٍ إنساني لها ما للذكر من حقوقٍ وواجبات، مستندة في ذلك على الشريعة الإسلامية، او اي شريعةٍ تدين لها وبشعائرها. لكنها ملزمة وهي تمارس وظيفة سياسية ان تحترم الدستور وموجباته. وفي شأن المرأة وحقوقها، وهي وزيرة دولة للمرأة (من صميم عملها) ان تحترم نساء العراق المشهود لهن بالتمسك بالقيم الرفيعة وبالسمو على الصغائر التي يريد البعض اختزال حقوق المرأة بها. وعلى السيدة الوزيرة بحكم مسؤولياتها ان تسترجع في ذاكرتها، خصوصاً وأنها انتقلت الى السياسة حديثاً، المآثر التاريخية العظيمة للمرأة العراقية من قبل نشوء الدولة العراقية، التي ساهمت من خلالها في معارك الاستقلال والحريات وتقدمت الصفوف، وهي امٌ وزوجة وصبية متفتحةٌ، دفاعاً عن حقوقها وللانعتاق من أسر عبودية المجتمع الذكوري المتخلف او استعباد الرجل والأسرة وما يفرضه من جورٍ وانتهاك لآدميتها، وقد استطاعت المرأة العراقية منذ ثمانية عقود وأكثر ان تنتزع حقها الإنساني في تجسيد هويتها ونبذ الإسقاطات الذكورية التي يحول كل جزءٍ حميدٍ من جسدها الذي بسط الخالق عليها من آياته جمالاً وبهاءً ورحمةً الى مجرد عوراتٍ ما عليها الا ان تتفنن في سترها بما لا يستر عورة، وكأن الله بعث أمنا حواء الى العالم متحجبةً مهمومة بسفورها الخادش لحياء أبينا آدم.

وقبل أن ننتقل من هذا التفصيل، وحتى نسد الطريق على الغرض السيئ الذي قد يصوّر مثل هذا القول على أنه دعوة للتهتك والخلاعة ونبذ الحياء المجتمعي، نقول: إن مثل هذا التصور هو الخطأ بعينه..وهو مردود على من يريد استغلاله بقصد التشهير، ونقول: إن الذي يختزل الشرف والحياء والحشمة والخلق القويم بمجرد شكل لباس ونوعه هو المخطئ وهو الذي يحيل المرأة الى مصدر للشرور ينبغي تغليفه دائما حتى لا تظهر الشرور..إن الأخلاق، بكل تفرعاتها هي منظومة قيم وهي تربية وهي ثقافة لا ينبغي اختزالها بلباس قد يخفي تحته فعلا الشرور التي تظهر في الخفاء..والأخلاق بعد هذا نظام قيمي متبادل ليست المرأة وحدها، وانما هي شراكة اجتماعية، بين الرجال والنساء محكوم بظرفه وبعادات المجتمع ونوع ثقافته وطريقة عيشه.

وعلى السيدة الوزيرة ان تترفق بالمحصنات من نسائنا المشهود لهن بتربية اجيالٍ من رجالات الدولة ومن رهط العلماء والأدباء والفنانين والمربين وقادة الاحزاب والمجتمع ومن قادة الاحزاب والحركات السياسية الوطنية الذين ضحوا بحياتهم لتأمين ظروفٍ سمحت لها ولغيرها ان تتولى ارفع المسؤوليات. ولولا تضحيات الرائدات في الحركات النسوية التحررية والناشطات في صفوف الاحزاب والمنظمات الوطنية، لظلت المرأة أسيرة البيت فاقدة الحضور والإرادة.

ان التفوق لدى المرأة مثلما لدى الرجل يكمن في ما وُهب لها من عقلٍ راجحٍ ووجدان حيٍ وارادةٍ للحياة، وقد ميزها عن الرجل جمالها الساحر ورقتها وطاقة التحمل في حمل الجنين شهوراً تسعة واطلاقه الى رحابة الحياة "مؤذِّناً " بصرخته الاولى انحيازه للام الرؤوم واحتجاجه المسبق ضد كل جورٍ يستهدفها وينتقص من انسانيتها. واذا كانت ثمة عورة تستحق الاحتقار، فهي ما يقوم به الرجل، بدعوى الشرف وخلافه من اذلالٍ وامتهان وحرمان وتقييدٍ للمرأة واسرها واستعبادها والحط من قيمتها وكرامتها باسم القوامة أو غيرها، مع ان الاسلام ساوى بينهما في الإيمان وفي الدعوة لقيمه الانسانية السامية.

ولا حرج على اي امرأة في ان تتحجب وان تؤمن بما تشاء من اعتقادٍ وعاداتٍ بمحض إرادتها، لكن الإكراه في الدين وطقوسه وتقاليده وأعرافه كفرٌ، والإرادة لا تكتمل عند الذكر والأنثى قبل سن البلوغ الذي تعارف العالم في سننه عليه عند بلوغ الثامنة عشرة، مما يدلل على ان قسر الفتيات القاصرات على قيود يفرضها المتشددون وهن من زهور الجنة كفر وبهتان.

ان طمس هوية المرأة ككائنة كاملة العقل والحقوق والحضور الانساني، مروقٌ وسبةٌ في وعي من يسعى لفرضه بالإكراه، وسيظل الرجل اياً كانت منزلته، ناقص الحرية مشكوكا في سلامة عقله وضميره ووجدانه الانساني، ما دام ينظر الى الام التي ولدته وارضعته والى اخته وزوجته وابنته ونساء ذويه بوصفهن مجرد عورات ناقصات العقل..!

على السيدة الوزيرة ان تستقيل، اذا رأت كما يرى الرجل، ان المرأة عورة بحاجة الى " قَوّامٍ " عليها، ليس عليها الا طاعته، لا في البيت، بل في الوزارة التي تختص بشؤون نساء العراق، مسلماتٍ ومسيحياتٍ وإيزديات وصابئيات. كما انها وزيرة النساء السافرات، وهن إيقونة مشعة في كل ركنٍ وزاويةٍ من أركان الدولة والمجتمع..

اما الحكومة..فيا له من عيبٍ يضاعف لها عيوبها وقلة حشمتها من كل ما تسببه من ويلاتٍ لشعبنا.!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram