TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > قبل خراب البصرة.. ثقافة السياسي وسياسة المثقف

قبل خراب البصرة.. ثقافة السياسي وسياسة المثقف

نشر في: 1 فبراير, 2012: 08:55 م

طالب عبد العزيز بدعوة كريمة منه،سنحت لعدد من مثقفي البصرة فرصةٌ التقوا خلالها المحافظ الدكتور خلف عبد الصمد،وفي داره على شط العرب،كنت قد خربشت كلمات قلت له فيها بأنا نود أن نبث بعضا من شجوننا وهمومنا،لا طامعين ولا ساعين لغرض شخصي،أبدا،وها أنت ترى وقد طارت غرباننا،بعد أن نيّفَ جلُّنا على حاجات نفسه،وأطماع روحه،مع يقيننا بأهميتها في مكان آخرَ من المعمورة،لكننا كما قال شاعر:" أنا لا أنظر لوطني من ثقب في الباب،أنا أنظر من قلب مثقوب".
  وقلت له:ولكي لا يضيع الوقت في المواجع نقول: حالُ لا ثقافتنا اليوم، يسرُّ أبدا،بعد أن تراجع اهتمام قادتنا بها إلى الحد الأدنى،ولا نجانبُ صوابنا إذا قلنا:نحن في الدرك الأسفل من اليقين بمستقبل أفضل لها،ولا نخفيك، قد لا يتحقق من لقائنا هذا أكثرُ من سعادتنا بك،فبالأمس القريب،ولخشيتنا على أعناقنا صمتنا أمام المحافظين الدكتاتوريين،واليوم في ظل ديمقراطية عشائرية جديدة قلنا كل شيء،لكن أقوالنا رميت من الشِّباك إن لم تكن في سلال المهملات،لأن ساستنا فهموا الديمقراطية على أنها إقصاء الثقافة من المشهد، مع الأسف. وكذلك قلت:هناك مساحة شاسعة بين فهم السياسي للثقافة وبين فهم المثقف لها،ومهما تعالى الأول في فهمه لن يبلغ حجم صَدَفَةٍ في محيطها العميق،وهذه ليست بنقيصة لديه،لكن النقيصة  ألا يستعينَ السياسيُّ بالمثقف،ولا يُصدقهُ القول،وأقولها صريحة معك:استعن بنا،واستعن بخاصتنا،ممن لو كانوا في مكان آخر من عالمنا لأقامت الحكومات لهم النصب والتماثيل وهم أحياء.أستعنْ بهم،كلّفْ فريقَ عمل منهم،تنتخبه،وبعد مشورة ورأي، ولا يخدعنك غيرُهم،وأطلبْ منهم ورقة عمل لمستقبل وثقافة وفنون وسياسة المدينة أيضا إن أردت لمدينتك الخير والصلاح.  وسأكون أكثر جرأة لأقول لك،ألا يحزنك أنَّ نهرا،يدعى بويب،هو الأكثر تداولا في ثقافتنا العربية،على الإطلاق، هو الأكثر بؤسا اليوم؟ ألا يحزنك أن شاعرا عظيما،هو السيّاب،كُتبَ عنه ما لم يُكتب عن أيِّ شاعر عربي آخر هو الأكثر نسيانا اليوم؟ألا يحزنك أن كاتبا عظيما،مبدعا خلاقا،صانعَ حكايات كبرى،ومؤسسَ أنماط كتابية،هي الأجمل،اسمه محمد خضير،العرب تعرفه أكثرُ مما يعرفه أهلُ مدينته،لا لشيءٍ،لكنَّ مؤسساتنا الثقافية والسياسية في واد وهو في واد آخر،بعد أن أخفقنا في تسويق ظواهرنا الثقافية،أخفقنا في تعريف ثقافتنا للعالم، فشلنا في بناء معلم ثقافي،صرح مدني،وفشلنا وفشلنا في الكثير،لكننا،والحق يقال: نجحنا في تسويق مشاهد الدم ومظاهر الحزن والبكائيات التي أصبحت وللأسف عنوانا لمرحلة ما بعد صدام حسين.وقلت، غير خائف أيضا: يستفيد السياسي اليوم من تناغم الشارع البسيط،المتعاطف معه،لأنه منتفع منه في الانتخابات،لكن رؤية الشارع لا تذهب في البعيد أبدا،وهي غيرُ عاملةٍ أصلا في الإستراتيجيات،بسبب أنها علقت المسؤولية كاملة في رقبة السياسي،القائدِ،لكن الحقيقة،وعلى المدى البعيد،هي خسارة كبرى للوطن الأكبر،لأن بناءَ الثقافة الوطنية،بناءَ الأوطان لا يتم عبر مجموعة العواطف النبيلة التي لا يخلو شعب منها،إنما عبر تنظيم العواطف هذه،عبر مشاريع إستراتيجية،غاية في الأهمية،لا يمكن إجمالها في ورقة قصيرة كهذه،الثقافة فرضُ أساسيٌ،معقدٌ،بالغُ الأهمية، نحذر من جعله نفلاً عقيب كل صلاة سياسية.،لأن السياسةَ زائلةٌ والثقافةَ أزليةٌ،فقد ذهب الملوك العرب والعجم وظل الجواهري العظيم.     كنت أتمنى أن نصحَبك أو تصحَبنا أنت في جولة قصيرة أو طويلة نطوف فيها معك أو تطوف معنا فيها،داخل أروقة المتحف هذا،أو صالات العرض المسرحي تلك،نقف معك أو تقف معنا نتأمل اللوحة هذه،نُصب الشاعر العظيم هذا،تماثيل الحديقة الأثرية تلك،قصر الفنون العريق هذا،دار الأوبرا القديمة تلك،غرفة الشاعر،عودَ الفنان ذاك،مخطوط كتاب لمؤرخ بصري وما أكثرهم،مسودة قصيدة من التي كان يتركها بدر شاكر السياب على بويب،لكننا لا نملك من ذلك شيئا،نحن في مدينة قفرٍ،خاليةِ المعالم،وما ظل منها نائم على الورق،خالد في الأذهان حسب. ولكي لا أكون ليبراليا جدا،علمانيا جدا كما تتهم الثقافة دائما،أقول كان أبي يحدثني عن أسرة السيد أمير محمد القزويني وعن والده من قبل،ومن ثم ظل يحدثني عن أسرة السيد عباس شبر،ومن بعد عن السيد عصام ابنِه،ومن ثم حدثني عن بيت السيد طالب النقيب وبيت باش أعيان وآل عبد الواحد وغمرني بخريطة من أسماء سيطول وقوفي بين يديك لو حدثتك عنها،وأنت سيد العارفين،لكنني متأسف والله،لأنكم،لم تفكروا بعد ببناء معلمٍ واحد تعرفوا به مدينتكم،وقد ضاع الإرثُ كلُّه،ضاعت البصرة الأم،فلنفكر جادين بمستقبل لمدينتنا من خلال الثقافة،لأن الملاعب والمدن الرياضية لن تؤدي مُؤدى الثقافة أبداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram