أحمد عبد الحسين السيّد رئيس الوزراء محظوظ. مقاديرُ سعيدة تفتح للمالكيّ مغالق الأمور وتبعد عنه الشرور بحيث يبدو أنه لو دفعه أحدهم من أعلى برج إيفل لنزل على قدميه معافى، مثل هذا الأمر لا يقيّض لأي أحد من العالمين. إنه من الهبات التي لا ينالها إلا ذو حظ عظيم. بعض الساسة محظوظون بأصدقائهم، آخرون محظوظون بأعدائهم.
كم من سياسيّ كان مستشاروه وموالوه ومناصروه هم مفتاحَ سعده، وكلمةَ السرّ في نجاحه، فترى سياسيّاً ما قد لا يملك مؤهلات النجاح لكنّ له مستشارين عباقرة يذللون له الصعاب ويفتحون له حتى في الحجر الصوّان ثقباً إلى حلول لا تخطر على بال الجنّ الأزرق. رئيس وزرائنا ليس من هذا الصنف طبعاً، فهو ذكيّ بما فيه الكفاية ويمتلك أسباب نجاحه، لكنّ جيشَ مستشاريه لا يُشدّ بهم الظَهر، وعصبته الأقربين هم أبعد ما يمكن عن العبقرية، غير انه مع ذلك محظوظ، ويحقّ لكلّ ساسة العالم "المتحضر والمتخلّف على السواء" أن يغبطوا رئيس وزرائنا على هذا الحظ العظيم، إنه محظوظ بأعدائه وغرمائه من الساسة الآخرين.يومياً يضاف لديّ دليل جديد على سعة حظّ السيّد المالكيّ بهؤلاء الأعداء، إنهم يتخبطون دائخين ويكشفون في تحركهم عن ضعفهم وهشاشتهم وقلة حيلتهم، يمنحون المالكي كلّ آنٍ سبباً آخر للقوّة، يشحذون سيفه بأيديهم ويسلمونه إياه.لا أحد من خصوم المالكي أثبت حتى الآن انه يريد المعارضة حقاً، أن بمستطاعه المطاولة لتكوين رأي عامّ يناقض ما أنتجته الحقبة المالكية، حتى لو استغرقتْ هذه المطاولة زمناً، هذا ما يحدث في كلّ الديمقراطيات، أن المعارضة تبني جمهورها، تربّيه، تأخذ وقتاً في تهيئته لانتخابات قادمة، تطرح له برامجها البديلة، لكنّ معارضة المالكيّ لا تفعل شيئاً من ذلك، إنها تريد ثمناً فورياً لمواقفها دون أن تقنعنا بأهليتها لذلك، تريد إزاحة المالكيّ والحلول محلّه بأي ثمن، وهي حتى لو نجحتْ فستكون مخفقة لأننا نكون حينها قد أبدلنا شخصاً بشخص واسماً باسم، وانتهى الأمر.هذه ليست معارضة، إنها أقرب ما تكون إلى عركة عشيرتين سيظلان الدهرَ كله يتداهران حول أحقية كلّ منهما، وهو كالثأر تماماً عمل لا ينتهي ولن يسفر عن شيء مفيد.خصوم المالكيّ يعينونه على أنفسهم، أمس قرأت تصريحاً لوزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي "هل تذكرونه؟" الرجل متهم بسرقة المليارات وهارب إلى أميركا، وكان عليه أن يصمت لننساه ولئلا يذكّرنا بجرح لم يندمل، لكنه في تصريحه طالب ـ بطريقة سيئة غير مسبوقة ـ بتغيير في العملية السياسيّة وتنحّي المالكي. يريد له حصة في عملية سياسيّة تجري في بلدٍ هاربٍ منه إثر اتهامه بجريمة توجب العار وسواد الوجه في الدارين. هل يريد أن يعود مجدداً من أجل المليارات المتبقية؟!المالكي محظوظ بخصم كهذا. وإذا كان هؤلاء هم خصومه فهو لن يحتاج أبداً إلى أصدقاء ومناصرين. يا للحظّ!
قرطاس :حـظّ الـمـالـكــيّ
نشر في: 1 فبراير, 2012: 08:59 م