TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلمات عارية :بعيدا عن السياسة

كلمات عارية :بعيدا عن السياسة

نشر في: 3 فبراير, 2012: 10:08 م

 شاكر الانباري اذا ما انعقدت القمة العربية في بغداد، كما يقول السياسيون، في نهاية آذار، او حتى خلال هذه السنة، فهذا خبر يستدعي شيئا من التفاؤل. لم نعد منبوذين، من جيراننا، وبدأنا نرفع الشرنقة عن عراق جديد نمضي به الى نهاية الشوط. عاصمتنا يمكن ان تعود الى مركز الحدث، عربيا وعالميا، لكن هذه المرة ليس بسبب انفجاراتها ودماء ابنائها المنسكبة في الشوارع، ودوامات كواتمها المجهولة، وفضائح سراقها، بل باجتماع قادة دول، ونخب صحافية واعلامية لتغطية المناسبة،
حيث يرسم حينها دور آخر للجامعة العربية. دور يجعل منها مدافعة عن شعوب لا عن انظمة، ويفترض بنا أن نكون من اشد المتحمسين لهذا الطريق. ويمكن ان  يعود حينها  للمتنفذين عندنا رشدهم، لكي ينظروا الى هذه المدينة بعين الرضا، والاهتمام. واذا ما اصبحت بغداد عاصمة للثقافة العربية، كما مقرر لها في السنة القادمة، فسوف تزهو بمهرجانات موسيقية، وسينمائية، وشعرية، وحفلات ساهرة، وجلسات فكرية، وفعاليات مسرحية، ومعارض كتب ولوحات تشكيلية. وتعود بغداد مركز استقطاب ثقافي، عربيا وعالميا، وهو الدور الذي مارسته مرارا خلال تاريخها، منذ التأسيس العباسي وحتى فترات قريبة. لكن ان تصبح بغداد مركز استقطاب لهكذا نمط من الفعاليات يستدعي منها، ومن قادتها والقائمين على شؤونها، تحمل مسؤوليات غير التي نراها اليوم، وانتهاج نمط من التفكير غير ما نراه مسفوحا في الاعلام والندوات والاجتماعات. وهي بديهيات يفترض ان يدركها الجميع. ان أول ما يجعل من بغداد مهيأة لهذه الأحداث الكبيرة ان تظهر بمظهر حضاري يليق بها، ويجعلها تنافس المدن العالمية، من حيث الشوارع النظيفة والجزرات الوسطية المزينة بالزهور، والساحات المزركشة بالتماثيل واللوحات المبهجة، ورائحة الأزقة التي تخلو من طعم النفايات وسموم مولدات الكهرباء وزعيق سيارات المسؤولين. يستدعي ايضا انسيابية في حركة المرور، وذلك برفع الحواجز الكونكريتية التي توحي كما لو ان بشر المدينة يعيش في اقبية وزنازين لا في محلات سكنية مفتوحة على الشمس، والطيور، والأفق المديد. ينبغي عليها أن تتخلص من حزنها لأن ما يصنع الحياة هو الفرح والتفاؤل والامل. ونجاح بغداد في احتضان هذه الأحداث الكبيرة لن يكون انجازا لجهة سياسية بعينها أو حركة وحزب، ولا لقومية أو مذهب او دين. النجاح للجميع. بغداد المحلوم بها، والتي تليق بتراثها يفترض ان تتسع لكل أبنائها، لدياناتها ومذاهبها وتمرداتها وصوفييها وقومياتها وأحزابها ومدارسها الفكرية والفنية والنقدية، لا ان تصبح ذات لون واحد حزين، وصوت واحد صارم، ونبرة تخفي وراءها الثأر والانتقام والتآمر. فما يؤلف السمفونية البغدادية هو ذلك التناغم الشجي من التسامح، والصراحة، والشجاعة في الرأي، والألوان المتحدرة من الهور والصحراء والجبل والبساتين. ان بغداد جزء من عالم فسيح جمعت ذات مرة في دواوينها وأبهائها اللغة العربية، والتركية، والفارسية، والسريانية، والكردية، واللاتينية، دون ان تخاف من ضياع هويتها، او ان طارقا ما يهدد تلك الهوية. لكن المشكلة وراء كل هذه الأحلام نخبتنا السياسية التي لا ترى أحيانا ابعد من أرنبة انفها، وهذا حديث يعيدنا، اذا ما دخلنا في تفاصيله، الى أروقة السياسة وهو ما لا نحبذ الخوض فيه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram