البصرة/ وحيد غانم تراجعت البصرة مجددا عن مطلبها إنشاء إقليم فيدرالي، فيما يعتقد مراقبون أن بغداد مارست ضغوطا على المحافظة الجنوبية وقلبت الطاولة على دعاة الفيدرالية. قبل سنة ونصف السنة أعلن مجلس محافظة البصرة عن بدء الإجراءات القانونية لتأسيس إقليم فيدرالي. يومها وقع 16 عضوا
من أصل 35 على طلب رسمي قدموه إلى رئاسة مجلس الوزراء لم يلق الاستجابة. كما أن المطالبة نفسها تكررت في منتصف العام الماضي، ولكن عن طريق مجلس النواب، دون ان يبتّ في أمرها. اليوم وفي إعلان مفاجئ تخلّى مجلس المحافظة عن مطلبه، لأن "التوقيت غير مناسب". هاشم اللعيبي، الناطق الإعلامي باسم مجلس المحافظة قال في تصريح لـ "نقاش" إن "الوقت الحالي ليس بالوقت الملائم لطرح موضوع الفيدرالية". وهو يربط ذلك بأسباب منها عدم "إقرار مفوضية الانتخابات للمطلب ومشكلات ترسيم الحدود العالقة بين العراق والدول المجاورة".مسؤول إعلام مجلس محافظة البصرة أثير العبادي، قال أيضا أن "ما جرى هو تريّث وإرجاء للدورة الانتخابية المقبلة أو التي تليها". ويسمح الدستور العراقي بتشكيل الأقاليم، ويشترط الحصول على موافقة ثلث أعضاء مجلس المحافظة أو طلب من عشر الناخبين المسجلين لدى مفوضية الانتخابات، قبل إجراء استفتاء عام يجب أن يحظى فيه المشروع بقبول ثلثي سكان المحافظة. وتعود النقاشات والمطالبات بفيدرالية البصرة إلى عام 2006 خلال الفترة التي شهدت تناحرا سياسياً وطائفياً دمويا آنذاك، ودعا المجلس الإسلامي الأعلى إلى فيدرالية التسع محافظات الجنوبية لكنه جوبه بمعارضة شديدة. ويجادل المطالبون بالفيدرالية اليوم وخصومهم على حدّ سواء بالاستناد إلى رغبة جماهير البصرة، فيما لا يتوفر استبيان دقيق من جهة محايدة حول المسألة.آخر المحاولات الجدية لإنشاء الإقليم بادر إليها قبل أربع سنوات النائب السابق والقاضي وائل عبد اللطيف، أحد أكثر المتحمسين لإقليم في الجنوب على غرار إقليم كردستان .عبد اللطيف، وهو علماني من كبار وجهاء البصرة، أخفق في نهاية العام 2008 ومعه حزب الفضيلة الإسلامي، في جمع عدد التواقيع اللازمة لإجراء الاستفتاء، وعزا فشله في حينها ليس إلى نفور المواطنين من الفيدرالية أو عدم موافقتهم على تقليص مركزية الدولة، بل لمعارضة الأحزاب السياسية المهيمنة في بغداد وتوظيف كامل إمكاناتها المادية والسياسية في إعاقة المشروع. يعزو عبد اللطيف اليوم إرجاء الحكومة المحلية مناقشة مشروع الإقليم إلى "ضغوط" تمارسها بغداد على جميع القوى المطالبة بالفيدرالية.ويضيف أن "إنشاء إقليم في البصرة سوف يقوض سلطة الأحزاب الشمولية التي تكونت بعد 2003 وتمكنت من الوصول للسلطة، وستوجد سلطات محلية تتفهم معاناة مواطنيها ولديها معهم مشتركات كثيرة"، على حد تعبيره. ومن وجهة نظر هذا السياسي، فإن حكومة نوري المالكي لن تقبل بتطبيق المشروع، "لا الآن ولا مستقبلا"، لأنه يضعف سلطتها المركزية. ويوضح " في العام 2008 قدمت لممثل الأمين العام للأمم المتحدة 50 مستمسكاً يثبت تدخلات غير مشروعة، وبمختلف السبل حتى الدينية منها لعرقلة تنفيذ الفكرة، فأخبرني صراحة بأن الحكومة المركزية لا ترغب بأن تكون البصرة إقليماً". عن طبيعة تلك التدخلات يقول النائب السابق "كان ذلك عن طريق استخدام السلطة والنفوذ والرشا وشراء بعض ذمم الوسائل الإعلامية ناهيك عن بث الفتن والفتاوى المزيفة التي تكفر كل من يصوت لإقليم البصرة". وتضم البصرة 590 كلم جنوب بغداد نحو 60% من احتياط النفط، ويبلغ عدد سكانها مليونين و400 ألف نسمة. وهي المنفذ البحري الوحيد للبلاد وعقدة الطرق البرية مع دول الجوار. ورغم الواردات الكبيرة تسجّل المحافظة فشلا ذريعا على المستوى الاقتصادي والخدمي. الداعون لإنشاء الإقليم ينطلقون من دافع واحد، ويقولون إن وزارات بغداد لا تدير ملف الخدمات والإعمار بكفاءة، وأن الفساد يستشري في مفاصل الحكومة المركزية، وأن المشروعات التي يقرها مجلس المحافظة يعجز عن تنفيذها لتأخر وصول الأموال. المحلل طارق بريسم يعزو إخفاق المجلس في انجاز مهامه إلى ضيق الصلاحيات الممنوحة له، فقانون مجالس المحافظات الحالي (قانون 21 لسنة 2008) مبني على إدارة الدولة مركزيا، لاسيما من الناحية المالية، حسب تحليله. في المقابل، هناك قوى إسلامية في الجنوب ليس بوسعها تخيل البصرة إقليما مستقلا. التيار الصدري يرفض مبدأ الفيدرالية من أساسه، بخلاف المجلس الأعلى الإسلامي الذي يدعو إلى إنشاء إقليم كبير يضم المحافظات التسع الجنوبية، باعتبار أن "هذا المشروع (المحافظات التسع) يمثل رغبة المرجعية الدينية"، كما يقول علي الحرباوي المسؤول الإعلامي في المجلس. ويصرّ المجلس الأعلى على أن تكون عاصمة الإقليم مدينة النجف وليس البصرة، فالثانية لا تتمتع فيها المرجعية الدينية الشيعية بنفوذ كبير.ويبرز عند الجدل حول المسألة الفيدرالية تعارض واضح بين أعضاء الحكومة المحلية في أقصى الجنوب ورؤساء أحزابهم المقيمين في بغداد. فمعظم الذين صوتوا لصالح المطالبة بالإقليم منتصف العام ا
الهروب من بغداد.. البصرة تؤجّل مشروع الفدرالية إلى أجل غير مسمّى

نشر في: 3 فبراير, 2012: 10:16 م









