بغداد / المدى لم ينتظر حكم المحكمة التي أدانته بقتل عشرات الأشخاص منذ أربعة أشهر بعد أن زرع عبوة ناسفة راح ضحيتها عشرات الأبرياء - قتلى ومئات الضحايا جرحى ومعوقين - فقد كان يعرف جيدا الحكم كما يعرفه كل المحيطين به والمحققين الذين حققوا معه ودانوه بجريمته البشعة..
وقرر أن يسدل الستار على حياته وينفذ حكم الإعدام على نفسه... لقد أنهى حياته في لحظة واحدة وعاقبها على ما اقترفت من ذنب بعد أن أزهق أرواح ناس أبرياء بيده وبلا شفقة! بعد أن مات ضميره وقلبه وزين له مريدوه قتلهم.. دخل المتهم المغاسل في موقف تسفيرات الرصافة وغافل زملاءه من المسجونين وشنق نفسه بشماغ كان يلفه حول رقبته وعلّق نفسه على باب دورة المياه.. وبعد ربع ساعة عثر عليه زملاؤه جثة هامدة معلقة ووضع بنفسه نهاية مأساوية لحياته التي قضاها مع الإرهابيين وفلول القاعدة!... أيام كثيرة عاشها داخل جدران التوقيف قبل محاكمته... لا يعرف عددها ذاق خلالها مرارة الأيام ورأى في كل العيون حوله نظرات اللوم والعتاب... فالجريمة البشعة التي ارتكبها كانت حديث الناس والصحافة والأجهزة الأمنية في منطقة الكاظمية... ولم يغفر له المجتمع جريمته لان الناس الأبرياء والأطفال الذين ماتوا صورهم لا تزال عالقة في عيون الناس وذويهم وهم يبكون عليهم ويترحمون على حياتهم... كانت الأيام داخل سجن التوقيف منذ أن أصدرت المحكمة المختصة قرارا بحبسه على ذمة التحقيق، كلها تشبه بعضها البعض... واختلطت عليه الأيام فلم يعد يعرف السبت من الخميس... وخاصة بعد أن فرض عليه المسجونون معه عزلة تامة عندما عرفوا بجريمته... فوجد نفسه بمفرده يواجه ظلمات السجن من دون ونيس أو صديق، حياة قاسية وجد نفسه داخلها فلم يفرضها عليه احد... ولكنه هو الذي فرضها على نفسه... حوارات عديدة كانت تدور بداخله حاول كثيرا ان يهرب منها ويتجنبها ولكنها أبدا لم تفارقه!... وأصرت على ملازمته طوال اليوم... وبدأت ايامه بحوار مع نفسه... هذا الحوار كان يقرأه في عيون كل من يراه حتى في عيون حراس الموقف... وتطور الحوار الى عذاب يومي لا يصحو منه... هذا الحوار هو استعراض لخطوات الجريمة البشعة التي ارتكبها في حق الناس الابرياء ومن اجل 50 دولارا، كانت هي كل أمله وحلمه من اجل ان يقدم هدية لصديقته... وضع (أ) سيناريو تنفيذ الجريمة امام عينيه وطرحه على مائدة الحوار الذي ينتهي بينه وبين نفسه... كيف تسلّم العبوة من صديقه عندما جاءه ليلا إلى داره. بعدها خرج معه في سيارته واستعرض ساحات وقوف السيارات وأماكن زحام الناس وتواجدهم في الصباح والمساء في هذه المنطقة المقدسة المليئة بالزائرين... كل هذه الحقائق لم ينسها لحظة ظلت تطارده في اليقظة والخيال وبات يراها وهو مغمض العينين وهو يقظ وظل يوبخ نفسه على ما قام به عقب ارتكاب جريمته حيث خرج عائدا من الكراج الذي وضع فيه العبوة فرحا بالغنيمة التي حصل عليها من مخلفات جريمته والتي هي عبارة عن 50 دولاراً فقط وتذكر كيف راوغ رجال الشرطة عندما سألوه عن اسباب تواجده في الصباح الباكر في الكراج... وبالرغم من انه شاهد في نظراتهم شكهم في انه وراء تلك الجريمة لكنهم انتظروا العثور على دليل الإدانة... شريط الجريمة كان دائما أمام أعين (أ) داخل السجن لم يختف لحظة وبالرغم من انه اعترف بسهولة بجريمته عندما عرضت صورته وهو يضع العبوة وصديقه ينتظره خارج سياج الكراج الخلفي.. إلا انه كان لديه أمل بسيط ان يفرج عنه قاضي التحقيق عندما تؤثر عليه عشيرته وتهدده بالموت إذا حكم عليه بالإعدام... وكلما اقترب موعد جلسة المحاكمة اقترب الأمل الذي سرعان ما يعود الى الاختفاء مع قرار تجديد حبسه على ذمه التحقيق.. وتأكد من آخر جلسة تحقيقية مع قاضي الجرائم الإرهابية بأنه لن ينجو من العقوبة بعد أن دانه القاضي بالصوت والصورة والشهود الذين شاهدوه وهو يزرع العبوة!... تأكد بعد رجوعه إلى الموقف انه لن يعود للحياة من جديد وتأكد ان أحلامه في الزواج من فتاة أحلامه قد ضاعت للأبد! كان يلقي على المبلغ الذي تسلمه بعد تنفيذ العملية كل اهتمامه بأنه سوف يسعد خطيبته بان يشتري لها الحلقة المناسبة كي يضعها في يد فتاة أحلامه التي ارتبط بها منذ الصغر! كانت تلك الدولارات بالنسبة له كبيرة وسوف تحقق حلمه النهائي! ظلت صورة مسيره وهو بصحبة صديقه أثناء زرعه للعبوة في الكراج عالقة في ذهنه... لم يستطع محوها من الذاكرة... فتذكر انه لم يكن يحمل معه اية نقود لانه كان يعاني من ازمة مالية حادة... فقام صديقه بإخراج ورقة الـ 50 دولارا وأعطاها له... ظن أن هذه الورقة سوف تحقق كل مشاريعه مع خطيبته... ولكن بعد أيام بعد أن اشترى لها الحلقة الفضية وقدمها لها ألقت الشرطة القبض عليه وهو مع خطيبته... أكثر ما عذبه داخل سجنه نظراتها له وهي غير مصدقة بان خطيبها فعل هذه الجريمة... ساعتها نظرت إليه نظرة حسرة وندم وبدأت تبكي... هذه النظرة لم تجعل عينيه تغمضان لحظة واحدة داخل التوقيف... واستطرد (أ) من خلال اعترافه أمام المحقق أدق تفاصيل الجريمة البشعة وسيناريو القصة... وتساءل مع المحقق بعد أن صحا من غفوته كيف قام بتلك الخطوات ؟ لابد أن صديقه قد خدره بأفكاره الدموية... لحظات كثيرة مر
إرهابي.. مع سبق الإصرار والترصد.. عذّّبه ضميره فقرر إنهاء حياته!
نشر في: 5 فبراير, 2012: 07:17 م