محمود النمرالحقيقة الدامغة التي لايفهمها الساسة العراقيون ممن كانوا خارج جمهورية الخوف، واحتلوا المراكز المرموقة والمؤثرة وقلبوا الحياة العراقية رأساً على عقب، بعدما أحرقها صدام وأعوانه البعثيون والمرتزقة، الذين جاؤوا من بعدهم، هذه الحقيقة تكشف عن "الجهابذة" اللصوص اللذين أجهزوا على كل شيء، وعاثوا " فساداً" في جميع مرافق الحياة.
هم يخشون هذه الكلمة ويضعونها في دائرة" التحريم " وتعتبر من الموبقات التي تقودهم إلى جهنم، ذلك هو المصير الذي ينتظرهم إذا ما عاقبتهم الجموع الغاضبة والجائعة من العراقيين الذين اكتشفوا اللعبة بعدما خدعوهم أكثر من مرة وما زالت الخديعة تفعل وتعمل وتنسف ما تبقى بين المتصارعين على المال العام، ربما من الرأفة أن نطلق عليهم اسم "عصابات اللصوص" فقط. للإمام علي خطبة يناشد فيها جموع المسلمين بحكمة واعظ،وعقل متوقد، وسعة صدر، وسحق فتنة، في كتاب "نهج البلاغة" يقول فيها: أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرّجوا عن طريق المنافرة،وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح، أو استسلم فأراح، هذا ماء آسن، ولقمة يغص بها آكلها، فمجتني الثمرة لغير وقت إيناعها، كزارع ٍبغير أرضه ". لو اتعظ الساسة الجدد بهذه الخطبة التي يجسد فيها الخليفة الرابع معنى الإيثار والحكمة ورص الصفوف، لصلح حالنا، وللأسف إن أكثر من في اللعبة السياسية يعتنق الإسلام ديناً ومنهجاً ولا أتصورهم ينتمون لا من بعيد أو قريب لهذا الفكر.الجميع يدرك ما آلت إليه الأمور من تداعيات دراماتيكية ألقت بعاتقها على المواطن العراقي المتأزم، الذي تجاذبته الصراعات وهو لاحول له ولا قوة سوى تلقّي الضربات الماحقة والحرائق والانفجارات والفجائع، من تنظيم القاعدة والتنظيمات الأخرى وهو الوحيد الذي يدفع الثمن وينتظر هدوء العاصفة السياسية، حتى يعمّ الأمن والسلام؛ ولا أتصور أن هذا سيحدث.من يريد إشعال الفتنة خسر وخاب وأفلس وأولهم البعثيون وآخرهم الذين قدموا من الجهات الأربع وهم معبّأون بالأسلحة والأجندات التي أفسدت ما كنا نحلم به بعد سقوط الفاشست البعثي، ومن الطرف الآخر الذين يتشابهون ويلتقون ضمنياً معهم، ولكنْ بوجه آخر في القتل واللصوصية والخداع والضحك على الذقون واستدراج الناس البسطاء إلى حافة الصراعات، وأقصد من هو في الركب الثاني، من أكبرهم إلى أصغر لص أو قاتل مأجور، وهناك أيضاً ـ حتى لا ننسى ـ أولئك الذين يجيدون فنّ تغيير الأقنعة وفق ما تتطلبة "لعبة الموت"، فهم يتقنون فن الرقص على الحبال في سبيل الوصول إلى كرسيّ الحكم.لا بديل، فقد يئست الأمة العراقية بجميع أطيافها وكتلها ومشاربها، لا شيء يلوح في الأفق، لم يتبقَّ سوى وهم وحلم مبدد، تراجعت كل الولاءات، تدافعت نحو حائط الخوف، النفوس التي كانت تتمنى سقوط الطاغية، أصبحت محاطة بالطغاة، الجميع يبحث عن حل لاستتباب الأمن، والأحزاب تتناحر على السلطة، الماكنة توقفت، وكل الاعتبارات أخذت تنحو إلى الهاوية.ربما سيعود الربيع العراقي الذي بدأ من هنا في زمن الطاغية، عام 1991في الانتفاضة الآذارية، البداية كانت من هنا، ولكلّ فعلٍ ردُّ فعل، فالأرض التي تشرق الشمس عليها دائماً لا تموت، ودورة الفصول ستعود ثانية، يومها تكون ساعة الحساب عسيرة، عندئذ لا يمكن أن يهرب الذين خدعونا لأن الشعب العراقي سيكون يداً واحدة.
كزارع ٍبغير أرضه!
نشر في: 6 فبراير, 2012: 09:55 م