TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: عدالـــــــة

قرطاس: عدالـــــــة

نشر في: 6 فبراير, 2012: 09:57 م

 أحمد عبد الحسينالتغيير قادم في سوريا، بانتْ ملامحه منذ أن سُفك دم كثير، فما أن يسيل دمٌ حتى تبدأ عجلة التأريخ بالدوران، كأنما التأريخ، ذلك الشيخ الخرف، لا يستيقظ من نومه إلا على صوت إراقة دمٍ ورائحته؛ أتذكر أني قرأت مقولة لكوجيف عن "عدم أهمية" أحداث 1968 في باريس، قال: "ما دام لم يُرقْ دم فلن يحدث شيء كبير!". ولأنّ دماً أكثر مما يجب أريق في سوريا هذه الأيام فسوف تحدث هناك أشياء وأشياء.
محطة سوريا ككل محطات "الربيع العربيّ" بدأتْ بهتاف لبضعة شبانٍ شجعان، وانتهتْ بثورة، بدأتْ بتوق إلى الحرية والإصلاح وانتهتْ بالمطالبة لا بتغيير نظام الحكم فحسب وإنما بإزالة كلّ آثاره، بدأتْ في حيّ هامشيّ بدرعا وانتهتْ في مجلس الأمن، بدأت بصوت علمانيّ خافتْ وستنتهي بسلطة إسلامية زاعقة.بالضدّ مما ظنه السيّد رئيس الوزراء نوري المالكي الذي قال قولته العجيبة الغريبة: "إن الثورة يبدأها الإسلاميون ويحصدها سواهم!" سارتْ كلّ أحداث الربيع العربيّ في مصر وليبيا وتونس، وتسير اليوم في سوريا على النحو الآتي:" تبدأ الثورات علمانية ليبرالية ويأتي الإسلاميون على الجاهز ليتسلطوا". لكنّ هؤلاء الإسلاميين لا يغتصبون سلطة أو يأخذونها غلاباً، لا يحركون دبابة ولا مدرعة للوصول إلى القصور الجمهورية شأن أسلافهم القوميين، إنهم يصلون شرعياً عبر صناديق الاقتراع بانتخابات تحرز حداً كبيراً من النزاهة والصدقية.الجمهور العربيّ اليوم إسلاميّ في أعمه الأغلب، وإذا كان من يفجّر الثورات في العالم الافتراضي أولاً "الفيسبوك وتويتر" ثم في العالم الواقعيّ، هم القلّة القليلة من علمانيي العرب وليبرالييهم، فإنّ تضحياتهم تلك لا تصلح أن تكون رافعة لإيصالهم "أو إيصال متبنياتهم الفكرية" إلى الحكم، آلية الوصول إلى الحكم في يد الأغلبية، والأغلبية في يد الإسلاميين الذين احترفوا هذه الأيام مهنة مربحة ومريحة: انتظار أن يثور الشبابُ لتسقط الثورة في أيديهم سلطة هنيئة سائغة رزقاً من غفور رحيم.ليس في هذا الكلام انتقاد للثورة ولا لتضحيات شبانها الأشاوس، بل لا نملك حتى أن ننتقد الإسلاميين أنفسهم، فهم استثمروا آلية شرعية: وجدوا لهم جمهوراً جاهزاً لم يتعبوا أنفسهم في تكوينه فاستغلوه على أكمل وجه. هذه هي الديمقراطية التي تتشابه مع الثورة في كونها تأكل أبناءها هي الأخرى أيضاً.حين أسمع أحداً من إسلاميينا "الشيعة" يبدي تخوفه من التغيير القادم لا محالة في سوريا، ويصفه بالطائفية، تعتريني رغبة في الضحك، مدهش كيف أن جماعتنا ينسون أنّ ذات الآلية التي أوصلتهم إلى الحكم ستوصل إليه غرماءهم من الطائفة المضادة، وأنّ ذات الجمهور "الجاهز والمفصل على مقاسهم" له ما يناظره في بلدان أخرى.من يعترض على طائفية أكلتْ ثورة الشباب العلمانيين في مصر وتونس وليبيا وسوريا، يجب أن يعترض أولاً على طائفية أكلتْ وتأكل من تضحيات كثيرة لم يشترك فيها العراقيون فقط بل جيوش أتتْ من وراء البحار لتنقذنا من أنفسنا.قواعد اللعبة واحدة هنا وهناك، ومن الإنصاف أن نسمح لغريمنا باستخدام نفس نوع وحجم السلاح الذي نحاربه به. من أجل أن تكون اللعبة الطائفية عادلة. أليس كذلك؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram