أحمد عبد الحسيننحن لم نرَ الزعيم عبد الكريم قاسم، ولدنا بعد مقتله بسنوات، لكنْ رآه آباؤنا عياناً في حياته ثم رأو صورته مطبوعة على صفحة القمر بعد مماته، ورأوه حياً في مدنٍ أنشأها لهم من العدم، في حكايات متواترة عن بساطته وتواضعه وحبه للعراق وتفانيه من أجل الناس، حكايات أقرب إلى أساطير وشطحات خيال أناس بسطاء مع أنها حقيقية.
لم نر الزعيم الذي أحببناه لحبّ آبائنا له، كم من مرة يتذكره الأبُ وتسيل على خديه دموع يحاول أن يحبسها ولا يستطيع، كم شمعة أشعلتها الأمّ منتصف كلّ رمضان من أجل روحه، الصور المخبأة في صندوق الأمّ، صور الزعيم الذي بات بطل طفولتنا، اختلطتْ ـ بشكل مبهم وغامض ـ مع صور الأئمة الملوّنة، مع صورة المنقذ التي ندخرها في أعماقنا كزهرة أمل نخشى عليها أن تذبل.لم نره في جريدة أو في القمر، لكننا حين كنا نسير في المدن والأحياء التي أنشأها الزعيم كنا نعرف أن هذه المدن مدن "كرّومي" وأحيائه، نعرف أن التأميم فكرته، نتذكر سفرطاسه الشهير،وقوله لصاحب المخبز حين رآه يعلّق صورة كبيرة له:" صغّر صورتي وكبّر الرغيف"، نتذكر ابتسامته العذبة، وجهه السومريّ، تكالب الضباع عليه من كلّ حدبٍ وصوب، ونشعر بأنه لم يمتْ، ما زال حياً، وحياته إدانة لكلّ من جاء بعده من حكام منذ مقتله وإلى يومنا هذا.الذين قتلوه كشفوا عن غبائهم حين ألقوه في النهر ليطمسوا أثره، لم يريدوا أن يكون له قبر يزار، لكنهم دون أن يشعروا جعلوه أسطورة عراقية مثالية، اختلط مع ماء العراق، صار يذكرنا بأطياف تموز والحلاج، شأنه شأن أرباب الخصب في بلد لم ير الخصب بعده.نحن الذين لم نر الزعيم في جريدة أو تلفزيون أو قمر، يمكن أن نرفع صورته الآن أمام حكامنا الجدد، يمكننا أن نقول لهم: إن هذا الرجل حكم خمس سنوات وأنشأ مدنا كبيرة، فماذا فعلتم أنتم في تسع سنين جعلتموها عجافاً؟ كرّومي مات وليس له بيت، كان ينام على الأرض وزاده في سفرطاسه، وأنتم لم تكفكم أموالكم "الشرعية" التي تتقاضونها "وهي أرقام فلكية" فعمد كثير منكم إلى اللصوصية، حتى جعلتم مال العراق نهباً بينكم.لسنا بحاجة إلى براهين على فشلكم سادتي لكننا ـ استذكاراً لزعيمنا المحبوب وتبركاً به ـ نريد أن نرفع اسمه حجةً وبرهاناً ودليلاً دامغاً على فشلكم المزمن وانعدام صدقكم وإخلاصكم ونقصان وطنيةٍ واستفحال لصوصية وكراهية شعبٍ لم يحبّ زعيماً بعد كرومي.اكنزوا المالَ بأشدّ مما فعل قارون، تجبّروا كما تجبّر صدام، اضحكوا على ألم الناس لكنْ هيهات أن تطمعوا بنيل حبّ العراقيين لكم، فهم لا يحبون إلا الزعيم الذي يدخل القصر ومعه سفرطاس.
قرطاس: صاحب السفرطاس
نشر في: 7 فبراير, 2012: 08:19 م