العمارة / رعد شاكرليلى ريسان خلف.. هذا هو اسم أم من محافظة ميسان اضطرت إلى بيع اثنتين من بناتها لتبني بثمنهما غرفة بائسة تؤوي باقي أفراد هذه الأسرة المنكوبة وتوفّر لهنّ قوت أيام معدودة، بعد أن نفد صبرها ويئست من ظهور المنقذ، مبررة بيع فلذات كبدها بالقول: "ماذا أفعل وأنا لا بيت لي ولا وطن؟!".
وكانت "المدى" قد نشرت قصة هذه الأم في 26/1/2012 نقلا عن إذاعة "العراق الحر"، وقد أثار التقرير تداعيات وأصداء واسعة بين جمهور ونخب محافظة ميسان الذين أعرب معظمهم عن استيائهم من تردي الواقع المعيشي لمجاميع كبيرة من شرائح وفئات اجتماعية مختلفة في ظل الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، وظهور تمايز طبقي حاد بين قلة مترفة وجموع مسحوقة لا يتلقى معظمها إلا معونات ضئيلة من الدولة، فيما تعدم عوائل عديدة تعيش تحت خط الفقر أية مساعدة تذكر.الأرملة ليلى ريسان خلف في الستينات من عمرها، استطاعت "المدى" بعد عناء وبحث طويل الوصول إلى من يعرف هذه المرأة ومنطقة سكناها، حيث التقت بالمعلم سيد علي الذي قال: انه أول من علم بقصة هذه الأم وأسهم في تعريف وسائل الإعلام بأوضاعها.وأوضح في حديثه لـ"المدى"، قصة تعرفه على هذه المرأة المنكوبة قائلا: "تعرضت إحدى التلميذات في المدرسة التي أعمل فيها إلى انتكاسة صحية فتطوعت لإيصالها إلى حيث تسكن، وعند ذلك تعرفت على عائلتها المتكونة من مجموعة أخوة وأخوات صغار، ترعاهم الأم الأرملة والجميع يعيشون في غرفة صغيرة ضمن منزل إحدى عوائل المنطقة".وأضاف: "كانت أوضاع العائلة يرثى لها وعرفت من الأم قصة منحها إحدى بناتها القاصرات إلى أحد أقاربها مقابل مبلغ مليون دينار لسداد دين بذمتها، فقمت بإخبار والد زوجتي الذي يتولى جمع المساعدات للعوائل المتعففة وقدمنا لهذه العائلة بعض الأغطية والفرش بعد أن لاحظنا أنهم يفترشون الأرض".بؤس موجعالمعلم الشاب اقترح قبل ذهابنا إلى الأرملة ليلى ريسان خلف، أن نتوجه إلى أحد المنازل القريبة ضمن مجمع الرحمة الذي شيدته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للعوائل المهجرة والنازحة، حيث تشكو أم عراقية أخرى بؤس الحال وهي تتكفل ابنتها الشابة المعاقة والراقدة على فراش المرض منذ سنوات.توجهنا إلى هناك وطرقنا الباب الموارب مرارا وما من جواب، تنحنح المعلم ودخل المنزل على مهل ثم ناداني ليشير لي إلى غرفة مشرعة الباب خالية من الأثاث وقد تمددت في وسطها شابة مغطاة ببطانية راحت ترنو بعينيها نحونا وتشير بيديها بحركات مضطربة، وقبل أن يشرح لي سيد علي، قصتها دخلت أمها يتبعها محافظ ميسان ومدير عام صحة المحافظة اللذان تصادف وجودهما لافتتاح البيت الصحي لمجمع الرحمة السكني.وراحت الأم تشرح لهم تفاصيل حالة ابنتها، مبينة أنهم هُجّروا من منطقة الحصوة في محافظة الأنبار بعد أن قام الإرهابيون عام 2006 بذبح زوج ابنتها هذه التي فقدت بعد أيام طفلتها المريضة فأصيبت بانهيار عصبي سبب لها لاحقا الشلل والعوق الذهني وهي ممدة منذ ذلك الحين، وطلبت الأم من المحافظ لمساعدتها في علاج ابنتها، فوعدها الأخير خيرا ووجه مدير صحة ميسان بمتابعة حالتها."المدى" سألت محافظ ميسان لدى مغادرته منزل هذه المرأة، إن كان قد سمع بحال الأم الميسانية التي اضطرت لبيع اثنتين من بناتها لتأمين مبلغ بناء غرفة تؤويها مع بقية أبنائها، إلا أنه سؤال أثار استياء المحافظ الذي رد باتهام وسائل الإعلام بأنها تركزعلى فقط ما اسماه "بؤر محدودة من السلبيات البسيطة" والتغافل عن الإنجازات الكبيرة والمتعددة للحكومة المحلية، على حد قوله.الأم التي باعت ابنتيهاتوجهت "المدى" بصحبة المعلم علي إلى بيت هذه الأم، التي روت تفاصيل قصتها قائلة: إنها تدعى ليلى ريسان خلف، وتكنى باسم ولدها البكر (أم جواد)، وهي أرملة زوج كان يعمل وقادا في أحد معامل الطابوق بمنطقة كصيبة لكنه توفي قبل نحو خمس سنوات بعد إصابته بالسرطان، مخلفا لها 6 ذكور و6 إناث وفقرا مدقعا، ولم يمنحها صاحب المعمل أي شيء.وتزعم أم جواد أنها اضطرت إلى استدانة مبلغ مليون دينار من أحد المرابين لتأمين تكاليف إقامة عزاء زوجها، على أن ترد المبلغ بزيادة 100 ألف دينار كربى.وأوضحت أن ثلاثة من أولادها الذكور تزوجوا، وكذلك ثلاثة من بناتها، إلا أنها أكدت أن من تزوجوا ليسوا بأحسن حال منهم، فأوضاعهم المادية متردية أيضا ولا يستطيعون مساعدتها في رعاية ما تبقى من الصغار، وهو ما اضطرها إلى أن تنزح بصغارها إلى ضواحي مدينة العمارة لتسكن في غرفة ضمن دار إحدى العوائل في منطقة العشوائيات المجاورة لحي الرحمة السكني قرب سيطرة طريق الطيب (نحو 5 كلم شمال شرق مركز العمارة)، مبينة أنها اعتمدت في تأمين قوتهم على الصدقات.وقد عطف عليها أحد أقاربها فسمح لها بالسكنى في نصف دار مشيدة ضمن عشوائيات المنطقة، وهكذا مرت الأعوام وهم يعيشون الكفاف إلى أن طالبها الدائن بسداد دينها القديم، فاستجارت بأقاربها علهم يمدون لها يد المساعدة لكن دون جدوى، إلا أن احد أقاربها لم يخف طمعه بإحدى بناتها، إذ جاءها أحد أقاربها الأبعدين
المدى تتابع قصة الأم التي باعت ابنتيها..الفقر يسحق الآلاف في أغنى محافظات العالم

نشر في: 7 فبراير, 2012: 08:30 م